كيف أعاد ‘سي الكالة’ صياغة النقد السياسي في فن الكوميديا

كيف أعاد ‘سي الكالة’ صياغة النقد السياسي في فن الكوميديا
مصطفى مجبر
مصطفى مجبر

بقلم: مصطفى مجبر

عندما يتحول الصمت إلى عادة والكلام إلى ترف قليل ما يمنح، يظهر نجم يكسر حواجز الخوف بضحكة صادقة تخفي وراءها جرأة نادرة..، محمد باسو، الكوميدي المغربي الذي لم يكتف بمجرد رسم الابتسامة على وجوه متابعيه، بل اختار أن يكون صوت الحقيقة في مسرح الواقع، مستخدما الكوميديا كسلاح لتحدي الفساد الإداري والسياسي، وكشف المستور في المجتمع المغربي.

“سي الكالة”، ليست مجرد سلسلة هزلية، بل هي مرآة تعكس صورة المجتمع بكل تعقيداته، وتسلط الضوء على الوجع المخفي خلف الابتسامات. في زمن أصبح فيه الكلام مكبلا بالقيود، يأتي باسو ليثبت أن الفن لا يزال يملك القدرة على التحرير والتغيير

عندما تلتقي خيوط الفن والسياسة بشكل لا يمكن فصله، يبرز الكوميدي المغربي محمد باسو كصوت جريء يقتحم الساحة بعمله “سي الكالة”، الذي يعد ليس فقط مادة كوميدية عالية الجودة، بل وثيقة اجتماعية تنتقد بشدة أوجه القصور في نظامنا الإداري والسياسي، متجردا من أي حسابات قد تحد من شجاعته أو تلمع صورته.

باسو، في سلسلته الهزلية، لا يقدم فقط لوحات من الضحك، بل يفتح أبوابا للتأمل العميق في قضايا حيوية تلامس يوميات المغاربة؛ من الوساطة والمحسوبية إلى تجارة الشهادات الجامعية والفساد الإداري، يلقي باسو الضوء على الجراح التي يحاول كثيرون إخفاءها تحت غطاء النسيان أو التجاهل، مستخدما السخرية كسلاح يجعل الحقيقة أكثر قبولا، وفي الوقت نفسه، أكثر إيلاما.

ما يميز “سي الكالة” ليس فقط شجاعة المواضيع المطروحة، بل الأسلوب الذي اختاره باسو للتعبير عنها.. في الوقت الذي اختار فيه بعض الفنانين تقديم كل ما هو “حامض”, في عالم يسوده الخوف من النقد العلني والمباشر، اعتمد الكوميدي المغربي على الفكاهة كأداة لتمرير رسائله، مما يجعل من الصعب على المسؤولين تجاهلها أو التقليل من شأنها، إنه يدعو إلى مراجعة ذاتية، ليس فقط من قبل المسؤولين بل من قبل المجتمع بأكمله، للنظر في المرآة والتعرف على انعكاساتنا الحقيقية.

إن التفاعل الكبير مع السلسلة على منصات التواصل الاجتماعي وعدد المشاهدات الذي تجاوز كل التوقعات في وقت قصير، يؤكد على أمرين: أولا، الجوع المجتمعي لمثل هذا النوع من النقد البناء الذي يجمع بين الفكاهة والحقيقة. وثانيا، الثقة العميقة التي يضعها الجمهور في أصوات مثل باسو والتي تجرؤ على قول ما يخشى الكثيرون حتى التفكير فيه.

في الختام، “سي الكالة” ليس مجرد عمل كوميدي آخر يهدف إلى التسلية فحسب، بل هو صرخة في وجه الفساد والمحسوبية، ودعوة ملحة للتغيير نحو الأفضل.

باسو، من خلال هذه السلسلة، لا يقدم لنا فقط لحظات من الضحك، بل يذكرنا بقوة الفن كأداة للتحول الاجتماعي والسياسي..، وفي هذا الدور، يجب أن نقدر وندعم مثل هذه الأصوات التي تحمل لواء الجرأة لتسليط الضوء على ما يحتاج إلى التغيير في مجتمعاتنا.

في خضم الأصوات الصاخبة والصراعات اليومية، يبرز دور الفنان كمرشد ومنقذ، ومحمد باسو ببرنامجه “سي الكالة” يقدم أكثر من مجرد لحظات ترفيه، يقدم دروسا في الجرأة، والأمل والتحدي.

من خلال سخريته اللاذعة ونقده البناء، يمنحنا باسو الفرصة للتفكير والضحك في آن واحد، ولكن الأهم من ذلك، يعيد إلينا الإيمان بقوة الفرد في إحداث التغيير. قد تنسى الأجيال القادمة الكثير من التفاصيل، لكنها ستذكر بالتأكيد الشجاعة التي يتطلبها الوقوف في وجه الظلم بابتسامة. “سي الكالة” ليس مجرد عرض كوميدي، بل هو بصيص أمل في زمن اليأس، وتذكير بأن الضحك قد يكون أقوى سلاح لمواجهة الظلم.

الاخبار العاجلة