مصطفى مجبر
في المشهد المغربي، تبرز شخصيات قانونية وسياسية استطاعت أن تجمع بين المحاماة والعمل العام، ولكن نادرا ما نجد من استطاع أن يحوّل خبرته القانونية إلى أداة فعالة للتأثير في السياسات العامة، إبراهيم رشيدي هو أحد هؤلاء القلائل، حيث يشكل نموذجًا للمحامي الذي لم يكتفِ بالدفاع عن القضايا في أروقة المحاكم، بل حمل رؤيته الإصلاحية إلى الساحة السياسية، مساهما في النقاشات الكبرى التي ترسم ملامح المغرب الحديث.
بين القانون والسياسة: كيف يؤثر أحدهما على الآخر؟
لا شك أن المحاماة والسياسة مجالان متداخلان، حيث يحتاج العمل السياسي إلى إلمام قانوني لضمان تطبيق التشريعات بشكل عادل، بينما تعتمد المحاماة في جزء منها على فهم عميق للواقع السياسي والتشريعات المتغيرة. رشيدي، بصفته محاميًا وأستاذا للقانون، لم يكن مجرد ممارس للمهنة، بل كان دائمًا في قلب النقاشات حول الإصلاحات القانونية والحقوقية.

لقد دافع عن العديد من الملفات ذات البعد الحقوقي، سواء في مجال العدالة الاجتماعية أو قضايا المساواة، ما جعله صوته مسموعًا داخل الأوساط الأكاديمية والقضائية. ومع انتقاله إلى المجال السياسي، أصبح تأثيره أكثر وضوحا، حيث بات من الأصوات التي تطالب بإصلاح المنظومة القانونية لتعزيز الشفافية وضمان حقوق الأفراد.
أي بصمة يتركها في العمل السياسي؟:
داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يُعرف إبراهيم رشيدي بأنه من الوجوه التي تسعى إلى تجديد الخطاب السياسي للحزب، من خلال التركيز على قضايا ذات بعد قانوني وحقوقي، بدلا من الاكتفاء بالشعارات العامة..، لقد خاض مواجهات فكرية عديدة داخل الحزب وخارجه، ساعيًا إلى إبراز أهمية بناء سياسات تستند إلى القانون وليس إلى الحسابات السياسية الضيقة.

في ظل التحولات التي يشهدها المغرب، يبرز سؤال مهم: هل يمكن لشخصيات مثل رشيدي أن تلعب دورًا في توجيه بوصلة الإصلاحات القانونية؟
فالمغرب يشهد نقاشات مستمرة حول تحديث القوانين، سواء فيما يتعلق بحقوق الإنسان، الحريات العامة، أو حتى تحديث القوانين المنظمة للحياة السياسية؛ وجود شخصية بخلفيته القانونية داخل المشهد السياسي قد يسهم في تحقيق توازن بين التشريعات الحديثة وضمان تطبيقها بفعالية.

التحديات التي تواجه المحامي السياسي:
رغم المكانة التي يحظى بها في الوسط القانوني والسياسي، إلا أن رشيدي، كغيره من الشخصيات التي تحمل مشروعًا إصلاحيًا، يواجه عدة تحديات:
التوفيق بين القانون والسياسة: فغالبًا ما يكون العمل السياسي محكومًا بالمصالح والتحالفات، وهو ما قد يتعارض مع الصرامة القانونية التي اعتاد عليها.
إشكالية التأثير: فرغم خبرته، يظل السؤال حول مدى قدرته على التأثير الفعلي في السياسات العامة، خاصة في ظل توازنات القوى داخل الأحزاب والمؤسسات.
مواجهة القوى التقليدية: حيث أن أي خطاب إصلاحي يواجه مقاومة من التيارات التقليدية التي تفضل بقاء الأوضاع كما هي.
هل يمثل نموذجا للجيل الجديد من السياسيين؟
في بلد يسعى إلى تجديد نخبته السياسية، تبرز أهمية شخصيات مثل رشيدي، التي تجمع بين الكفاءة الأكاديمية والخبرة العملية. لكن يبقى السؤال مفتوحًا: هل يستطيع جيل جديد من السياسيين المتشبعين بالقانون أن يحدثوا تغييرا حقيقيًا؟ أم أن السياسة ستظل لعبة تحكمها الحسابات الحزبية أكثر من الاعتبارات القانونية؟
إبراهيم رشيدي ليس مجرد محامٍ أو سياسي، بل هو نموذج لمثقف قانوني قرر أن ينخرط في العمل السياسي من أجل الدفاع عن القضايا التي يؤمن بها. ورغم أن مسيرته ما زالت تتطور، إلا أن بصمته في النقاشات القانونية والسياسية تؤكد أن المغرب بحاجة إلى نخب جديدة قادرة على الجمع بين المعرفة الأكاديمية والقدرة على التأثير في السياسات العامة.
