
بقلم: مصطفى مجبر
في مشهد يعكس الفوضى والانحدار الأخلاقي الذي بات يهدد صورة الإعلام الرياضي في بلادنا، انتشرت مؤخرا صور لأشخاص غرباء عن المهنة، وهم يحملون شارات التغطية الصحفية الخاصة بمباراة المنتخب المغربي ضد نظيره التونسي بملعب فاس الكبير. المفارقة المضحكة المبكية أن من بين هؤلاء شخصا يعرفه المغاربة كصانع محتوى فكاهي، لا يمت بأي صلة لمهنة المتاعب، لكنه وجد نفسه فجأة في قلب الحدث، جنبا إلى جنب مع الصحفيين المهنيين الذين يتكبدون العناء والجهد يوميا لتغطية الأخبار بموضوعية ومسؤولية.
هذه الواقعة لم تكن مجرد زلة تنظيمية أو خطأ عابر، بل مؤشر خطير على اختلالات بنيوية تُفرغ العمل الإعلامي من مضمونه، وتُحول “شارة الصحافة” من رمز لمهنية ومسؤولية إلى بطاقة مجانية لولوج ملاعب المباريات الكبرى، أو حتى لممارسة المحسوبية والزبونية. فهل باتت الصحافة مجالًا مفتوحًا لكل من هب ودب؟ وهل أصبح الحصول على اعتماد مهني أو شارة صحفية خاضعا للولاءات والعلاقات الشخصية بدلا من المعايير المهنية؟
إن ما وقع في ملعب فاس ليس حدثًا معزولا، بل يتكرر مع كل مباراة كبرى، حيث يتعرض الإعلاميون الحقيقيون للتهميش والمنع، بينما يحظى “المؤثرون” و”المدعومون” بكل الامتيازات. الأمر لا يسيء فقط للمهنة، بل يضرب في العمق ثقة الجمهور في المؤسسات الإعلامية، ويشجع على المزيد من الفوضى والتطاول على مهنة تُفترض فيها الجدية والنزاهة.
والأدهى من ذلك، أن هذه الفوضى تأتي بعد فضيحة “سوق التذاكر” السوداء التي سبقت المباراة، حيث وجد آلاف المشجعين أنفسهم محرومين من فرصة مشاهدة منتخبهم الوطني بسبب احتكار التذاكر من طرف لوبيات السمسرة. وهنا نتساءل: هل نحن أمام جامعة لكرة القدم أم أمام شركة خاصة لا تحاسب ولا تراقب؟ وأين دور الجهات الوصية في حماية الشفافية وتكافؤ الفرص، سواء للجمهور أو للمهنيين؟
إن هذه الاختلالات لم تعد مجرد حالات فردية، بل هي نتاج منظومة تتهاون مع قواعد العمل المهني، وتسمح بتحويل كل ما هو عام إلى امتياز خاص. وإن استمرار هذا النهج يُنذر بكارثة أخلاقية ومهنية، لن يدفع ثمنها سوى الصحافة الجادة، والجمهور الذي فقد ثقته في كل شيء.
لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار للمهنة، بوضع حد لهذا العبث، وتنقية الجسم الصحفي من المتطفلين والدخلاء، مع تفعيل لجان مستقلة تمنح الاعتمادات بناءً على الكفاءة والمصداقية، لا عدد المتابعين أو شهرة فارغة لا تخدم سوى مروّجي التفاهة.
فالصحافة ليست بطاقة لولوج الملاعب… بل مسؤولية، وأمانة.