العنف في المدارس المغربية.. ناقوس خطر يهدد مستقبل الأجيال

العنف في المدارس المغربية.. ناقوس خطر يهدد مستقبل الأجيال
د.مصطفى مجبر
د.مصطفى مجبر

بقلم: مصطفى مجبر
لا شيء يبعث على القلق أكثر من مشهد مؤسسة تعليمية تتحول من فضاء للعلم والتربية الى ساحة للعنف والصراعات. فخلال السنوات الاخيرة، أصبح العنف المدرسي، سواء بين التلاميذ أنفسهم أو بين التلاميذ وأطر التدريس، ظاهرة مقلقة تتسع رقعتها يوما بعد يوم في المغرب، وسط صمت مجتمعي غير مبرر وعجز واضح للسياسات العمومية عن احتواء هذا النزيف التربوي.

فمشاهد الشجارات العنيفة في ساحات المدارس، أو مقاطع الاعتداءات على الأساتذة التي تنتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد حوادث معزولة، بل تحولت الى مظاهر شبه يومية، تعكس اختلالا عميقا في منظومة القيم التي يفترض أن يحتضنها فضاء التعليم.

أسباب هذا الانفجار في العنف كثيرة ومتشابكة. فمن جهة، يعيش التلميذ المغربي حالة من الضغط الاجتماعي والنفسي بسبب الأوضاع الاقتصادية الهشة والأسر المفككة أو الغائبة، مما ينعكس مباشرة على سلوكاته داخل الفضاء المدرسي. ومن جهة أخرى، تعاني المدرسة العمومية من تراجع دورها التربوي لصالح أدوار تقنية صرفة، حيث أصبح الهاجس الأكبر هو اجتياز الامتحانات والحصول على الشواهد، لا بناء شخصية مواطنة ومتزنة.

ولا يمكن الحديث عن تفشي العنف دون التوقف عند ضعف آليات التأطير داخل المؤسسات، سواء من حيث غياب برامج دعم نفسي حقيقي للتلاميذ، أو ضعف تواصل الإدارة مع أولياء الأمور، أو انعدام مبادرات وقائية تشتغل على غرس قيم الحوار والتسامح واحترام الآخر منذ السنوات الأولى للتمدرس.

الخطير اليوم هو أن هذا العنف المدرسي لم يعد يقف عند حدود التلاميذ، بل امتدت شظاياه الى الأساتذة أنفسهم، الذين أصبحوا هدفا مباشرا لاعتداءات لفظية وجسدية تهدد كرامتهم وأمنهم داخل أقسامهم. وهو ما يعمق أزمة الثقة بين الفاعلين في العملية التعليمية، ويقوض أسس الاحترام الضروري لبناء علاقة تربوية سليمة.

مواجهة هذه الظاهرة تتطلب مقاربة شمولية تتجاوز الحلول الترقيعية. فلا بد من مراجعة السياسات التربوية بما يعيد للمدرسة دورها كفضاء لتربية المواطنة، مع تعزيز دور الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين داخل المؤسسات، وإطلاق حملات وطنية تحسيسية تستهدف التلاميذ والأسر والمجتمع ككل. كما ينبغي توفير حماية قانونية أكبر لنساء ورجال التعليم ضد أي اعتداء، مع سن قوانين صارمة تجرم العنف المدرسي بكل أشكاله.

إن مستقبل المغرب يمر عبر بوابة المدرسة. وإذا استمر العنف في تحويلها الى ساحات للعراك، فإننا نغامر بجيل بأكمله ونفرط في رهان التنمية. فالعلم لا يزهر إلا في بيئة آمنة يسودها الاحترام، وحان الوقت لأن ننتبه جميعا قبل أن ينهار هذا البيت على رؤوسنا جميعا.

Breaking News