
بقلم: مصطفى مجبر
في سنة 2022، اهتز الرأي العام المغربي على وقع قضية غريبة ومثيرة، حملت في طياتها تفاصيل تشبه ما نشاهده في أفلام الجريمة المنظمة، لكنها لم تكن خيالاً، بل واقعا مرا تجسّد في قضية “إسكوبار الصحراء”.
اسمٌ غريب، أُطلق على رجل أعمال من أصول مالية يدعى الحاج أحمد بن إبراهيم، يقيم في المغرب، ويشتبه في أنه العقل المدبر لشبكة دولية متخصصة في تهريب الكوكايين عبر مسارات الصحراء المغربية، مستخدما في ذلك وسائل متطورة كالدرونات والزوارق السريعة، في سيناريو غير مسبوق في سجل الجريمة المنظمة بالمملكة.
لكن المفاجأة لم تكمن فقط في تعقيد شبكة التهريب، بل في الأسماء التي أوردها التحقيق، والتي أعطت للقضية بعدا سياسيا وفنيا غير معهود..، فقد ظهرت الفنانة المغربية الشهيرة لطيفة رأفت ضمن خيوط التحقيقات، بعد أن تم استدعاؤها للاستماع إليها كشاهدة، بسبب ارتباطها السابق بالمتهم الرئيسي، إذ جمعت بينهما علاقة زواج سابقة في عام 2014. وبالرغم من نفيها القاطع لأي علاقة بالنشاط الإجرامي، إلا أن مجرد ذكر اسمها ارتبط بعاصفة من الجدل الإعلامي، وأعاد طرح السؤال القديم-الجديد: هل يمكن للنجومية أن تحمي صاحبها من تبعات الارتباطات الماضية؟
لكن الصدمة الحقيقية التي زلزلت الأوساط السياسية والرياضية، كانت بسقوط أحد الأسماء اللامعة في عالم السياسة والرياضة، سعيد الناصري، الرئيس السابق لنادي الوداد الرياضي ونائب برلماني سابق، والذي وُجهت له تُهم خطيرة، من بينها المشاركة في الاتجار الدولي بالمخدرات، وتبييض الأموال، وتكوين عصابة إجرامية. لم يكن مجرد اسم مضاف إلى القائمة، بل رمزية لسقوط شخصية نافذة، اعتُبرت لعقود جزءاً من نخبة القرار الرياضي والسياسي في البلاد.
إن ما تكشفه هذه القضية لا يقف عند حدود الجريمة المنظمة، بل يتجاوزها إلى تسليط الضوء على طبيعة العلاقة المعقدة بين المال، والسلطة، والشهرة، وكيف يمكن للنفوذ أن يتحول إلى وسيلة لحماية شبكات غير قانونية، بدل أن يكون حصناً للدولة ضد الفساد. ما حدث في قضية “إسكوبار الصحراء” ليس فقط فضيحة جنائية، بل هو مرآة تعكس واقعاً أكثر خطورة: تآكل الثقة في المؤسسات، وانزلاق بعض الوجوه العامة إلى لعب أدوار مزدوجة، حيث تتقاطع المصالح بين عالم الجريمة وعالم القرار.
وفي غياب نتائج نهائية من المحاكم، تبقى أعين المواطنين مشدودة نحو ما ستكشفه جلسات التقاضي المقبلة، ليس فقط لمعرفة من سيتحمل المسؤولية، بل لفهم عمق الاختراق الذي طال البنية الأمنية والسياسية في المغرب. إنها قضية تتجاوز الأشخاص، وتتطلب من الدولة وقفة حازمة لإعادة ترميم صورة العدالة، وبناء حصانة حقيقية ضد الفساد الذي يزحف بهدوء، خلف شعارات براقة وأسماء لامعة.