سيارات فاخرة في زمن الشدة: حين يفكر مسؤولو فاس مكناس بعجلاتهم بدل عقولهم!

سيارات فاخرة في زمن الشدة: حين يفكر مسؤولو فاس مكناس بعجلاتهم بدل عقولهم!
مصطفى مجبر
مصطفى مجبر

بقلم: مصطفى مجبر

في بلد يئن تحت وطأة الغلاء، وفي جهة تعيش أحياءها الفقيرة على وقع التهميش والعوز، اختار مجلس جهة فاس مكناس أن “يفرح” أسطوله الإداري بشراء سيارات جديدة تزيد قيمتها عن 1.3 مليون درهم. نعم، سيارات فارهة بينما المواطنون يتقشفون حتى في اللحم والخبز!

كأننا نعيش في كوكبين مختلفين. المواطن العادي يحصي دراهمه قبل دخول السوق، ومسؤولو الجهة يحتفلون بإطلاق صفقة بميزانية ضخمة لشراء عربات جديدة، كأنهم يجهّزون لسباق فورمولا 1، لا لإدارة شؤون جهة تحتضر خدماتها العمومية.

أي منطق إداري هذا الذي يبرر صرف هذا المبلغ في وقت تنعدم فيه تجهيزات المستشفيات القروية، وتنهار مدارس عمومية سقوفها من قصدير؟ عن أي “فائدة اقتصادية” يتحدثون، حين تكون الفائدة الوحيدة هي راحة كراسيهم الوثيرة و”الكونديشون” البارد في عز حر الصيف؟ أليست الصحة، النقل، التعليم، والشغل أكثر إلحاحا من تحديث أسطول السيارات؟

الصفقة رست على شركة واحدة، بلا منافسين. مشهد مألوف يتكرر في صفقات مشبوهة تنتهي دائمًا بجملة: “العرض الوحيد المقبول”. هل هي مصادفة أم تخطيط دقيق؟ وهل في هذه البلاد لا توجد إلا شركة واحدة تبيع السيارات؟ أم أن الصفقات مفصلة بالمقاس؟

لا أحد ينكر أن المرافق العمومية تحتاج وسائل لوجستيكية. لكن لا أحد يمكن أن يقتنع أن شراء سيارات جديدة هو ما ينقذ فاس مكناس من واقعها المأساوي. إنها مسألة أولويات.. وعندما تكون الأولوية هي راحة المسؤول، فاعلم أن المواطن ليس سوى رقم مهمل في هامش الميزانية.

لقد تحول تدبير الشأن الجهوي في المغرب إلى مسرح عبثي، تؤدى فيه المشاهد على حساب من يدفعون الضرائب، بينما من يقررون المصير يركبون سياراتهم الجديدة ويبتعدون عن الشعب بمسافة تقاس ليس بالكيلومترات، بل بالكرامة.

نعم، “آش خاصك أ العريان؟ خاتم يا مولاي!”، مثل شعبي يعبر اليوم بدقة عن عبثية منطق السلطة في هذه البلاد.. عن العورة الفاضحة التي يجب سترها والتي تعاني منها مدينة فاس في جميع المجالات..عن النعامة التي تمس رأسها في التراب ولا يهمها ما يكشف مؤخرتها.. !
فبينما المواطن يبحث عن الدواء والماء ولقمة عيش، نجد المنتخب الجهوي يشتري لنفسه أدوات الرفاه الإداري بكل أريحية، دون حرج، ودون خجل، وكأن المال العام جيب خاص.

فمن يسائل هؤلاء؟ ومن يوقف هذا النزيف باسم “الضرورة” و”المصلحة” و”المرفق العام”؟ ألا يستحق المواطن تبريرًا حقيقيًا قبل أن يسلب منه حقه في تعليم محترم وطبيب حاضر وطريق معبد؟

إنها لحظة مناسبة لطرح السؤال الأهم: هل نحتاج إلى تجديد السيارات؟ أم إلى تجديد العقول التي تقودها؟

الاخبار العاجلة