سطات في مرمى “الإفراغات غير الإنسانية”.. من المسؤول عن تحويل المدن إلى مكبات للبشر؟

سطات في مرمى “الإفراغات غير الإنسانية”.. من المسؤول عن تحويل المدن إلى مكبات للبشر؟
مصطفى مجبر
مصطفى مجبر

بقلم: مصطفى مجبر

ما حدث سابقا في المدخل الغربي لمدينة سطات ليس مجرد حادث عرضي، بل هو ناقوس خطر يضرب بقوة ويعيد إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا حساسية: كيف تتحول المدن المغربية، إلى ساحات مفتوحة لـ”تفريغ” أشخاص يعانون من اضطرابات عقلية، دون أي إحاطة طبية أو اجتماعية؟

من المؤلم أن نشاهد أكثر من 30 شخصا، يرجح أنهم يعانون من أمراض عقلية، ينقلون من الدار البيضاء وتطوان وطنجة وغيرها من المدن الكبيرة.. في حافلة مجهولة، ثم يُتركون في العراء كمن يلقي بحمولة ثقيلة للتخلص منها، دون أن يحرك أحد ساكنا، ودون أن نسمع صوت مسؤول واحد يدين أو يوضح أو حتى يعتذر.

فاس، هي الأخرى، ليست في منأى عن هذا العبث…لقد أصبحت تشهد بشكل متكرر توافد حالات كثيرة من دوي الإحتياجات العقلية ، تتجول على أطراف المدينة أو في محيط المستشفيات، وكأن المدينة وناسها قدرهم أن يتحملوا عبىء من تخلّى عن واجبه. المواطن الفاسي، الذي يكابد يوميا مع الاكتظاظ والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، يفاجأ بين الفينة والأخرى بأشخاص تائهين، خطيرين أحيانا على أنفسهم وعلى غيرهم، يتجولون بلا رعاية ولا تأطير وحتى بلا ملابس.. حفاة عراة في الشوارع.

الأخطر في كل هذا هو الصمت المدوي للسلطات، أين وزارة الصحة؟ أين وزارة الداخلية؟ أين المجالس المنتخبة؟ هل يعقل أن يتم التعامل مع أرواح بشرية بهذا الشكل المهين؟ وهل يُعقل أن تدار المدن وكأنها مجرد أراضٍ شاغرة لتفريغ “مشاكل الآخرين”؟

إن ما يقع هو جريمة في حق كرامة الإنسان أولا، وفي حق ساكنة المدن المتضررة ثانيا.. فبدل أن نرى خططا للرعاية النفسية والاجتماعية، وبدل أن يتم إحداث مراكز استقبال وعلاج لذوي الاحتياجات العقلية، نفاجأ بهذه الأساليب البدائية والمهينة.

فاس ليست مزبلة بشرية، كما أن سطات وبرشيد وخريبكة ومدن أخرى ليست مجرد “نقاط تسليم” للبؤس. على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة، وعلى الإعلام والمجتمع المدني أن يرفعوا الصوت عاليا.

لأننا إن قبلنا بهذا اليوم، فلن نستغرب إن أصبح “تفريغ البشر” أمرا عاديا غدا، وإن تحول الصمت إلى قاعدة، والكرامة إلى استثناء.

الاخبار العاجلة