
جواد جعواني
صحفي، خبير في التواصل
في الوقت الذي تواصل فيه أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية ارتفاعها بشكل متسارع، وتزداد فيه معاناة المواطنين مع ضعف الأجور وتدهور القدرة الشرائية، تظل الطبقة السياسية في المغرب غائبة عن واقع الناس، وكأنها تعيش في عالم موازٍ. صمت غير مبرر، وخطابات جوفاء، وقرارات بعيدة كل البعد عن هموم المواطن اليومية. فإلى متى يستمر هذا الانفصال الخطير؟ وإلى أين يُدفع المجتمع؟
غلاء المعيشة لا يرحم، والقدرة على التحمل بلغت حدودها القصوى. المواطن البسيط اليوم لا يطلب امتيازات، بل فقط الحد الأدنى من الكرامة والعيش الكريم. ومع كل يوم جديد ترتفع فيه الأسعار دون رادع، تتآكل الثقة أكثر فأكثر، وتترسخ القناعة بأن مؤسسات الدولة لم تعد تُنصت، وأن لا أحد يملك الجرأة لاتخاذ قرارات حقيقية توقف هذا النزيف.
في ظل هذا الواقع، تزداد أهمية الحديث عن ربط المسؤولية بالمحاسبة، لا كشعار مكرر، بل كأداة حقيقية لإعادة التوازن. لقد تحوّلت مواقع المسؤولية إلى فضاءات للامتياز بدل أن تكون منصات لخدمة الصالح العام. غياب المحاسبة الحقيقية جعل الفساد ينتشر في مفاصل الإدارة، وجعل كثيرًا من المسؤولين يعتقدون أنهم فوق القانون.
محاربة الفساد ليست فقط ضرورة أخلاقية، بل أيضًا شرط لضمان الاستقرار. فما جدوى المشاريع والسياسات إذا كانت تُفرغ من مضمونها عبر الرشوة والمحسوبية والزبونية؟ وما جدوى الانتخابات إذا كان المواطن لا يرى فرقًا بين مسؤول وآخر، لأن النتيجة واحدة: تهميش وإقصاء ووعود لا تتحقق؟
من جهة أخرى، تعيش الحياة السياسية حالة احتضار. الأحزاب عاجزة عن تجديد خطابها أو تقديم بدائل واقعية، ونسبة كبيرة من المواطنين لم تعد تؤمن بجدوى المشاركة السياسية. هذا الفراغ يفتح الباب أمام التطرف، واليأس، والانفجار الاجتماعي. إذا لم تبادر النخب السياسية إلى مراجعة ذاتها والانفتاح على هموم الشعب، فإنها تفقد شرعيتها تدريجياً.
أما عن الثقة في المؤسسات، فهي اليوم في أدنى مستوياتها. والثقة لا تُبنى بالخطابات الرنانة أو البرامج الورقية، بل تُستعاد حين يرى المواطن أن القانون يُطبّق على الجميع، وأن صوته مسموع، وأن هناك دولة حقيقية ترعاه وتحمي مصالحه، لا سوقاً مفتوحة يُترك فيها فريسة للمضاربين وتجار الأزمات.
إن المغرب اليوم في مفترق طرق حاسم. إما أن نعيد بناء جسور الثقة، ونُفعّل آليات المحاسبة، ونُطلق إصلاحات اجتماعية واقتصادية عاجلة، أو نواصل الانحدار نحو مزيد من التوتر والسخط والاحتقان. الطبقة السياسية مطالبة بأن تعود إلى التغطية، لأن المواطن لم يعد يتحمل أكثر.