تزوير شهادات الماستر: حين يتحول الاستثناء إلى ذريعة للتعميم

تزوير شهادات الماستر: حين يتحول الاستثناء إلى ذريعة للتعميم

جواد جعواني
صحفي، خبير في التواصل

أثارت الأخبار المتداولة حول شبهة تورط أستاذ جامعي بجامعة ابن زهر في قضية بيع دبلومات الماستر، جدلاً واسعًا في الرأي العام، وفتحت من جديد ملف الفساد في المؤسسات الجامعية المغربية. وبالرغم من أهمية فتح تحقيق نزيه ومسؤول لتحديد المسؤوليات ومعاقبة المتورطين، إلا أن التناول العامي والإعلامي للقضية شابه الكثير من التسرع، والتنميط، والتعميم، ما يستدعي وقفة تأمل وتحليل.

الفساد ليس حكرًا على الجامعة

الفساد – بمختلف تجلياته – ليس حكرًا على التعليم العالي، بل هو معضلة تطال عدة قطاعات، من الصحة إلى القضاء، ومن الجماعات المحلية إلى الصفقات العمومية. ما حدث في الجامعة، إن ثبت، يجب أن يُدان ويُواجه بصرامة، لكنه لا ينبغي أن يُوظف كمادة لتشويه صورة جامعة بكاملها، أو للتهجم المجاني على فئة من الأساتذة الجامعيين الذين يشتغلون في ظروف صعبة، ويؤمنون بدورهم التربوي والأكاديمي، ويضحّون بوقتهم وجهدهم من أجل ضمان جودة التعليم وتكافؤ الفرص.

لا لتعميم الإدانة… نعم للمحاسبة الفردية

القضاء هو الجهة الوحيدة المخولة لإدانة الأشخاص بعد تحقيقات عادلة ومحاكمات تستند إلى الأدلة، لا إلى الانطباعات أو الإشاعات. التعميم في قضايا من هذا النوع لا يخدم إلا الشعبوية، ويقوض الثقة بين الجامعة ومحيطها. لذلك، لا بد من التمييز بين المتورط (إن ثبت تورطه) وبين آلاف الأساتذة النزهاء، الذين يشكلون العمود الفقري للجامعة المغربية.

بين الإثارة والتشهير: مسؤولية الإعلام والمجتمع

المقلق في هذا النوع من القضايا هو تلك السرعة في نشر لوائح تضم أسماء طلبة قيل إنهم استفادوا من شهادات مزورة، دون أي تحقق من صحتها أو صدورها عن جهات رسمية. إن تعميم هذه اللوائح دون سند قانوني أو قضائي يُعد نوعًا من التشهير، يُجرّمه القانون، وقد يلحق أذى كبيرًا بأشخاص قد لا تربطهم أي علاقة بالملف. كما أن هذا الانفلات الإعلامي – خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي – يشوش على مجريات التحقيق، ويحول القضية إلى محاكمة شعبية تفتقر إلى الضمانات والموضوعية.

نحو إصلاح شامل بدل المعالجة الظرفية

ما وقع يجب أن يكون مناسبة لإعادة التفكير في منظومة التعليم العالي، وخاصة في الشق المتعلق بسلك الماستر والتكوين المستمر، الذي بات في بعض المؤسسات بابًا للريع الأكاديمي والمحاباة. لكن الإصلاح لن يتم فقط بإصدار بيانات الإدانة، بل يمر عبر إعادة النظر في آليات الولوج، وتدقيق معايير الإشراف، وتفعيل لجان المراقبة البيداغوجية والإدارية، وتعزيز استقلالية الجامعة وربطها بالمحاسبة.

نحن اليوم أمام لحظة حرجة: إما أن نستثمرها في تعزيز الثقة في مؤسساتنا من خلال معالجة جدية وشفافة، وإما أن نغرق في مناخ من الشك والعدمية، نُصفي فيه الحساب مع التعليم العمومي، ونُفرغ الجامعة من معناها التربوي والمعرفي. الطريق واضح: لا أحد فوق القانون، لكن لا أحد يجب أن يُدان خارج القانون.

الاخبار العاجلة