
بقلم: مصطفى مجبر
عندما تقف فاطمة خير، الممثلة التي أطربت المغاربة بأدوارها الدرامية، لتلقي خطابا سياسيا في لقاء حزبي، فإنك لا تدري إن كنت تشاهد مؤتمرا سياسيا أم مشهدا من مسلسل “القسم 8″، لذلك فإن الانتقال من أداء الأدوار على الخشبة إلى لعب دور “المدافعة السياسية” فوق المنصة لم يكن سلسا كما تخيلت، بل أثار موجة من السخرية اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي، خصوصا “فايسبوك”، حيث لم يرحم رواده الأداء ولا النص.
ما حدث في لقاء الداخلة لحزب التجمع الوطني للأحرار لم يكن مجرد كلمة ألقتها نائبة برلمانية، بل عرض درامي مكتمل الأركان؛ فاطمة خير لم تتحدث بل “مثلت”، ولم تناقش بل “امتدحت”، وتحول خطابها إلى وصلة مديح استحضرت فيها كل تقنيات الإقناع التي تعلمتها في مشوارها الفني، لكن لسوء الحظ، الجمهور هذه المرة لم يكونوا مشاهدي الشاشة الصغيرة، بل جمهور يتعطش لخطاب سياسي صادق، لا لمشهد درامي.
المديح المفرط الذي وجهته خير لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، بدا خارج سياق التوقعات السياسية، بل بلغ حدا جعل بعض النشطاء يشبهونه بمشهد مؤثر من مسلسل، حيث يستميت البطل في إقناع الآخر بالبقاء، إلا أن هذه المرة لم يكن الهدف إنقاذ شخص من الانتحار أو الموت، بل إنقاذ صورة الزعيم من التآكل أمام الرأي العام وتلميعها من جديد!.
وبين زلة لسان هنا، وعبارة خاطئة هناك، لم تنج فاطمة خير من تعليقات الفايسبوكيين، الذين رأوا في خطابها استمرارا لأداء تمثيلي لم يغادرها.., فحين تقول “التبات” بدل “الثبات”، لا يسع المتابع إلا أن يبتسم، لكن بابتسامة مشوبة بالأسى على ما آلت إليه بعض الوجوه السياسية.
والأكثر طرافة أن البعض طالب بمنح رفيق بوبكر، زميلها في “القسم 8″، دور المعارضة، بما أن فاطمة خير حجزت موقعها في صف الحكومة؛ وهكذا تحول المشهد السياسي إلى كاستينغ مفتوح، حيث الفنانون يتنافسون على الأدوار الجديدة في مسرح السلطة.
المفارقة أن فاطمة خير، رغم نواياها الطيبة على الأرجح، لم تدرك أن منصة السياسة تختلف عن منصة المسرح؛ ففي الأولى، المطلوب هو الوضوح والجرأة وربما حتى قليل من المعارضة، أما الثانية فميدان لإقناع المشاهد، حتى لو كان النص ضعيفا.
فهل يمكن أن يتصالح الفن مع السياسة دون أن تفرغ الثانية من مضمونها؟ أم أن دخول الفنانين إلى قبة البرلمان سيظل مجرد انتقال من دور إلى دور، حيث يبقى الجمهور هو المتفرج، لكن هذه المرة بلا تصفيق؟
في النهاية، يبدو أن فاطمة خير لم تغيّر الخشبة بقدر ما غيرت ديكور العرض؛ فحين يصبح البرلمان امتدادا لبلاطو التصوير، وتتحول المنصات الحزبية إلى مسارح للتمجيد، فإننا لا نكون أمام ممارسة سياسية بقدر ما نعيش فصولا من كوميديا سوداء تجمع بين التراجيديا والكوميديا والدهشة..!, أحد المعلقين كتب ساخطا: “اللي ما قدرش ياخد دور في رمضان، يجي يجرب حظو في السياسة!”، فيما تساءل آخر بتهكم: “هل نحن أمام حكومة أم أمام كاستينغ رمضان المقبل؟”
لقد أصبح الخطاب السياسي في بعض أجنحته أقرب إلى عرض ترفيهي، لكنه دون سيناريو محبوك ولا نهاية مقنعة. وبينما يراهن المواطن على نائب يدافع عن همومه، يفاجَأ بأداء يستحق جائزة أفضل ممثلة في صنف التطبيل الواقعي.
ويبقى السؤال: متى سيتوقف بعض الفنانين عن تقمص الأدوار في السياسة، ويبدأون في أداء الواجب؟ أم أن منصة البرلمان أصبحت خشبة جديدة، تصفق فيها القواعد، لكن بصمت ساخر؟!!!.