
بقلم مصطفى مجبر // المغرب العربي بريس
مرة أخرى، تعود مسألة توزيع الدعم المالي على جمعيات المجتمع المدني لتكشف المستور في دهاليز مجلس عمالة فاس. هذه المرة، لم يكن الغضب محصورًا في الكواليس، بل خرج للعلن عبر بيان قوي اللهجة، صادر عن رؤساء ورئيسات جمعيات مدنية غاضبة من “سياسة التعتيم والمحاباة” التي تطبع تدبير الدعم العمومي.
البيان لم يكتف بتسجيل الاستغراب، بل وجه اتهامات مباشرة لمكتب المجلس بـ”ضرب مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص”، متحدثًا عن دعم مالي “كبير” يُمنح لبعض الجمعيات الرياضية، في ظل غياب معايير شفافة، وتهميش لباقي الجمعيات الفاعلة في مختلف المجالات التنموية والاجتماعية.
إن أخطر ما يرشح من هذا البيان هو الإيحاء – بل التصريح – بأن الدعم يتم وفق منطق الولاءات الحزبية والمحاصصة السياسية، وهي ممارسات حولت الدعم العمومي إلى غنيمة انتخابية، بدل أن يكون أداة لتحقيق التنمية المحلية، وتحفيز الفاعلين الجمعويين على الابتكار وخدمة المجتمع.
حين تصبح الجمعيات رهينة انتماءاتها السياسية، وتمنح الأموال على أساس “من معنا ومن ضدنا”، فنحن لا نتحدث هنا عن دعم، بل عن شراء للولاءات، وإعدامٍ لمبدأ الاستقلالية الذي يُفترض أن يُؤسس عليه العمل المدني.
الموقعون على البيان طالبوا بإعادة النظر في هذه السياسة المنحرفة، وبدعوة لفتح باب المنافسة على أساس طلب مشاريع واضح، بشراكات قائمة على الأهداف والنتائج، لا على العلاقات والوساطات. وهي مطالب مشروعة لا تصب فقط في خانة الإنصاف، بل تؤسس كذلك لحكامة جيدة تستجيب لتطلعات ساكنة المدينة، وتُعيد الثقة في المؤسسات.
الخطير أيضًا أن البيان لمّح إلى استعداد هذه الجمعيات لخوض “كل الأشكال النضالية القانونية”، ما ينذر بمواجهة مفتوحة بين فعاليات مدنية تعتبر نفسها مقصية، ومؤسسة منتخبة متهمة بإفراغ الدعم من جوهره.
في فاس، لم تعد الجمعيات تطالب بدعم مالي فقط، بل تطالب قبل ذلك بعدالة توزيع الدعم، وبعدم استخدامه كأداة لترهيب بعض الأصوات وترغيب أخرى. فإلى متى سيظل الدعم العمومي حقلا خصبا للزبونية والمحاباة؟ ومتى نرى مجلسا يعلي منطق الشفافية فوق منطق الولاءات؟