جيل الضباع الرقمي… حين تتحول التفاهة إلى سلطة وتصير الكاميرا عرشا

جيل الضباع الرقمي… حين تتحول التفاهة إلى سلطة وتصير الكاميرا عرشا
د.مصطفى مجبر
د.مصطفى مجبر

بقلم : مصطفى مجبر //المغرب العربي بريس

في زمن لم يعد فيه للرأي الناضج وزنه، صعد إلى الواجهة نوع جديد من “الرواد” لا يحملون من الريادة سوى الاسم، هم المؤثرون الذين غزوا الفضاء الرقمي بسطحية المحتوى وخفة الفكرة، ليُصنَّفوا دون استحقاق روادًا للرأي العام وصنّاعًا للقرار في المغرب.
هؤلاء لا يستشيرون إلا أنفسهم، ولا يعترفون بصوت سواهم، وكأن الصحافة والفكر والثقافة ذابت جميعها في هواتفهم النقالة. يفتون في كل شيء: في السياسة، في الأخلاق، في الأسرة… يوزعون التهم ذات اليمين وذات الشمال، فيرشقون الحداثيين بالإلحاد، ويصنفون المتدينين كأوصياء على الجنة.

منهم من وجد لذته في تشريح أعراض الناس وبث فضائحهم على الملأ، كأن الخصوصية أصبحت سلعة يُتاجر بها من أجل المتابعة والربح. ومنهم من يجهل حتى أبسط قواعد حرية التعبير، فيقمع الاختلاف ويُسكت الأصوات المخالفة، في مشهد صارخ لانهيار قيم الحوار.

إنه جيلٌ لا يتقن الكتابة إلا بلغة هجينة، حيث تمتزج العربية بالدارجة وتُستبدل الحروف بأرقام في انحدار لغوي مقلق، جيل لا يفكر ولا يتأمل، يكتب ليشوش، ويصور ليشهر.
فهل هو بالفعل ذلك الجيل الذي حذّر منه الراحل محمد جسوس حين قال: “ضبع ينطح ضبعا”؟
الجواب المؤلم: نعم، وبكل أسف. إنه زمن التافهين حين يصبحون ناطقين باسم مجتمع، والمتلقّي، هو الآخر، صار شريكًا في الجريمة… بتفاعل، بإعجاب، أو حتى بصمت.

لقد استُبدلت السلطة الرمزية للكلمة الحرة، والعقل المتزن، بسلطة اللايك والمشاهدات. آن الأوان أن نعيد الاعتبار للمعرفة والنقاش الرصين، قبل أن يتحول الفضاء العام إلى حلبةٍ للعبث، تحكمها كاميرات لا تعرف الرحمة.

Breaking News