
في عمق إقليم تاونات، حيث يختلط الجمال الطبيعي بمرارة التهميش، تقبع جماعة أورتزاغ كأنها عالقة في زمن توقف منذ عقود. على الرغم من تطلعات الساكنة إلى تنمية حقيقية تخرجهم من دائرة الإهمال، فإن الواقع يثبت أن أحلامهم تصطدم بجدار لامبالاة المسؤولين، الذين يبدو أنهم اختاروا سياسة التجاهل بدل البحث عن الحلول.
أورتزاغ.. معاناة يومية وتدبير غائب
إن القيام بجولة قصيرة في مركز الجماعة يكشف بوضوح حجم المعاناة التي يعيشها السكان. طرق محفّرة أشبه بمسالك جبلية، إنارة عمومية شبه منعدمة، بنية تحتية مهترئة، وخدمات إدارية بالكاد تفي بأبسط متطلبات المواطنين. أما المرافق الاجتماعية والرياضية والثقافية، فهي إما مغلقة أو غير موجودة أصلًا، وكأن الجماعة تعيش خارج خارطة التنمية.
في قطاع الصحة، تزداد الصورة قتامة، فالمستوصف الوحيد يعاني من نقص حاد في التجهيزات والأطر الطبية، ما يدفع المرضى إلى قطع عشرات الكيلومترات بحثًا عن العلاج في تاونات أو فاس، في رحلة شاقة تزيد من معاناتهم. أما السوق الأسبوعي، فهو مشهد آخر للفوضى والعشوائية، حيث تفتقر أماكن البيع إلى الحد الأدنى من النظافة والتنظيم، مما يعكس سوء التدبير المحلي.
أربع سنوات من التسيير.. والنتيجة صفر
قبل أربع سنوات، حين انتخب المجلس الجماعي الحالي، تعلقت آمال الساكنة بتغيير طال انتظاره. لكن سرعان ما تبددت هذه الآمال، فالجماعة لم تشهد أي تحسن يُذكر، بل إن الوضع تفاقم أكثر. نفس المشاكل ما زالت قائمة، ونفس الأعذار تتكرر، فيما تظل الإنجازات مجرد وعود على الورق.
الطامة الكبرى أن أعضاء المجلس الحالي كانوا في صفوف المعارضة قبل الانتخابات، وكانوا لا يتوقفون عن انتقاد الوضع، حتى أن بعضهم قال علنًا: “نستحيي من دخول مركز الجماعة بسبب وضعه المزري.” لكن بعد أن انتقلوا إلى موقع القرار، لم يتغير شيء، وكأن الحياء الذي تحدثوا عنه سابقًا اختفى فجأة، أو كأنهم اعتادوا على هذا الوضع فلم يعد يزعجهم.
الملك يتحدث بوضوح.. فمن يسمع؟
لقد كانت الخطابات الملكية واضحة في التأكيد على دور الجماعات المحلية في التنمية، فقد قال الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 62 لثورة الملك والشعب:
“إن الحكومة ليست مسؤولة عن مستوى الخدمات في الجماعات المحلية… فوزير الصحة ليس مسؤولًا عن المستوصف، ووزير التجهيز ليس مسؤولا عن الطرق داخل الدواوير، بل هذه مهام المنتخبين.”
ورغم ذلك، يواصل المجلس الجماعي في أورتزاغ تبرير فشله بضعف الإمكانيات، متجاهلًا أن جماعات أخرى، بميزانيات مماثلة، استطاعت تحقيق قفزات تنموية بفضل حسن التدبير.
أين تذهب ميزانية الجماعة؟
السؤال الذي يطرحه المواطنون اليوم هو: أين تذهب ميزانية الجماعة؟
فرغم قلة الموارد المالية، تحصل أورتزاغ على مداخيل من الضرائب المحلية ومن دعم الدولة، لكنها لا تنعكس أبدا على تحسين الخدمات. فلا مشاريع تنموية، ولا استثمارات محلية، ولا برامج واضحة للنهوض بالبنية التحتية.
إن غياب الشفافية في تدبير الشأن المحلي يطرح أكثر من علامة استفهام حول أولويات المجلس الجماعي. فهل تُصرف الأموال في ما يخدم المواطنين، أم أنها تُهدر في نفقات غير ضرورية؟
“إما أن تعملوا.. أو ترحلوا”
لم يعد مقبولًا أن تظل أورتزاغ رهينة التهميش وسوء التدبير. فمن يقبل بتحمل المسؤولية عليه أن يكون قادرًا على الإنجاز، وإلا فليترك المجال لمن يستطيع. وكما قال الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش لسنة 2017:
“إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، أو أن تنسحبوا، فالمغرب له رجاله ونساؤه الصادقون.”
إن سكان أورتزاغ ليسوا بحاجة إلى خطب وشعارات، بل إلى عمل حقيقي يُغيّر واقعهم. فالمسؤولية ليست مجرد لقب، بل التزام تجاه المواطنين. وإذا كان المنتخبون غير قادرين على أداء مهامهم، فالأجدر بهم أن يفسحوا الطريق لمن يملك الإرادة والكفاءة لتحقيق التغيير المنشود.
