مأساة تاونات.. حين تتحول فصول الدراسة إلى فصول للموت

مأساة تاونات.. حين تتحول فصول الدراسة إلى فصول للموت
مصطفى مجبر
مصطفى مجبر

منطقة تاونات، أرض الطفولة والتعليم، هي اليوم مسرح لمأساة حقيقية، ليست الأولى من نوعها ولكنها بالتأكيد الأكثر إيلاما. تلميذة صغيرة، لم تتجاوز مرحلة الطفولة، فقدت حياتها بسبب غياب أبسط معايير الأمان في حافلات النقل المدرسي، التي من المفترض أن تكون وسيلة لحمايتها، لا أداة لتهديد حياتها. حادثة مأساوية تسببت في وفاة التلميذة صفاء من دوار المكمل بجماعة الرتبة، بعد أن سقطت من حافلة مكتظة، قبل أن تدهس على يد شاحنة كانت تلاحق الحافلة في مشهد مفجع.

لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بعد هذه الحادثة المروعة هو: من يتحمل مسؤولية هذه الأرواح التي تذهب سدى نتيجة الإهمال والتقصير في توفير وسائل نقل آمنة لأطفالنا؟ هل هذا مجرد حادث عرضي أم نتيجة فشل منظومة كاملة في تأمين حياة التلاميذ؟

الحقيقة الصادمة هي أن الحادث لم يكن مفاجئا. فإقليم تاونات يعاني منذ سنوات من نقص حاد في أسطول النقل المدرسي، في ظل ضعف المراقبة على الحالة الميكانيكية للحافلات، وزيادة الاكتظاظ الذي يتسبب في تدافع التلاميذ داخل المركبات المتهالكة. هذا الأمر كان واضحًا منذ وقت طويل، ولكن لم يُحرك المسؤولون ساكنًا. كل هذه التفاصيل المأساوية تُظهر أن حياة أطفالنا لا تساوي شيئا أمام غياب الحلول الجادة، وغياب الإرادة السياسية لتخصيص ميزانيات كافية لهذه القضية الحيوية.

اليوم، يقف أهالي تاونات وأبناء المنطقة على أطلال الحزن، بينما تسود حالة من الغضب العارم في الأوساط السياسية والجمعوية، التي ترى في هذه الحادثة نتيجة مباشرة لإهمال المسؤولين الذين اكتفوا بالوعود الخادعة. كيف يمكن للمعنيين بالشأن المحلي أن يرضوا بأن تُحشر أرواح الأطفال في حافلات متهالكة؟ كيف يمكن لأي عاقل أن يتقبل أن تكون الأرواح التي فقدت في حادث آخر من ضحايا النقل المدرسي مجرد أرقام في دفتر إحصاءات الحوادث؟

إن إقليم تاونات ليس الوحيد الذي يعاني من هذه المعضلة، بل هي مشكلة شاملة في العديد من المناطق، ولكننا هنا نتحدث عن حالة فاجعة أظهرت للعالم ضعف البنية التحتية وتدهور الظروف المعيشية للتلاميذ في مناطق نائية. الحلول لا يمكن أن تكون في إصلاحات تجميلية، بل في إعادة النظر في السياسة التعليمية والنقل المدرسي بشكل جاد.

إنها مسؤولية الجميع: من الحكومة المحلية إلى الهيئات الإدارية، مرورًا بالفاعلين المدنيين والسياسيين، لإيجاد حلول واقعية تؤمن التلاميذ في رحلاتهم اليومية إلى مدارسهم. أليس من الأجدر أن تُخصص الميزانيات لتوفير أسطول نقل مدرسي آمن بدلاً من أن تهدر في مهرجانات لا تُسمن ولا تغني من جوع؟

يجب أن نضع حياة التلاميذ في سلم أولوياتنا، وأن نعمل على تحسين أسطول النقل المدرسي وتوفير حافلات تلبي احتياجات الطلاب وتضمن لهم سلامتهم. من غير المقبول أن يكون مستقبل هؤلاء الأطفال مرهونا بالاكتظاظ، وقلة الحافلات، وحافلات متهالكة لا تلبي أبسط معايير الأمان. أطفالنا ليسوا سلعة يمكن تجاهلها، ولا يمكن للتهرب من المسؤولية أن يُبرر بعد الآن.

إنها مأساة قد تكون الأخيرة إن كان هناك من يجرؤ على التغيير، أو ستظل سمة بارزة في تاريخ إقليم تاونات، حيث تظل حياة الأطفال رخيصة، والأمل في الغد يتلاشى تدريجياً مع كل حادث جديد.

Breaking News