تحرير الملك العام هل هو خطوة نحو نظام دائم أم مجرد إجراء مؤقت؟

مصطفى مجبر26 ديسمبر 2024
تحرير الملك العام هل هو خطوة نحو نظام دائم أم مجرد إجراء مؤقت؟
ذ مصطفى مجبر
ذ مصطفى مجبر

لطالما شكل الاحتلال العشوائي للملك العام بالمغرب ظاهرة متفاقمة تثير استياء المواطنين وتعرقل السير والجولان في الشوارع والأزقة. مؤخرا، أصدرت وزارة الداخلية تعليماتها لتحرير الملك العام، وهو ما لاقى ردود فعل متفاوتة بين الأوساط الشعبية، خاصة في مدينة فاس التي شهدت تغيرا ملحوظا في مظهر شوارعها بعد تطبيق هذه التعليمات.

شوارع فاس اصبحت تتنفس بعدما كانت الأرصفة تضيق بالمارة بسبب استحواذ المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي على الملك العام، أصبح المشهد أكثر تنظيما. الشوارع التي كانت تعاني من فوضى الباعة والمحتلين غير القانونيين أصبحت أكثر اتساعا ونظاما، مما خلق جوا من البهجة والراحة النفسية لدى السكان والزوار.

التجربة لم تقتصر على الجانب الجمالي فقط، بل ساهمت أيضا في تحسين حركة السير والجولان، وتقليص الحوادث الناجمة عن الازدحام في الأزقة المكتظة، بل كان العديد من المارة يضطرون إلى النزول عن الأرصفة المزدحمة براسي المقاهي ويسيرون على الطريق المعبد الخاص بالسيارات.. المواطنون عبروا عن ارتياحهم لهذه الخطوة، معتبرين أنها تعكس جدية في فرض القانون وإعادة هيبة المؤسسات.

ورغم الإشادة العامة بهذه المبادرة، إلا أن تطبيقها كشف عن ثغرات أثارت التساؤلات. في بعض الشوارع، تم تحرير الأرصفة بشكل كامل، بينما بقيت أخرى على حالها وكأن التعليمات لم تصل إليها. بعض المحلات التجارية والمطاعم الفاخرة ما تزال تستغل الملك العام دون حسيب أو رقيب، وهو ما أثار شعورا بالإحباط والتمييز لدى المواطنين.

هذه التناقضات طرحت سؤالا ملحا: هل تحرير الملك العام إجراء شامل ودائم أم أنه مجرد حملة مؤقتة سرعان ما ستتلاشى مع الوقت؟ وهل هناك جهات مستثناة ضمنيا من تطبيق القانون؟

إن تحرير الملك العام ليس مجرد إجراء تقني يهدف إلى تنظيم الفضاءات العامة، بل هو خطوة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والاحترام المتبادل بين الأفراد والدولة. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المبادرة يتطلب وضوحا واستمرارية.

التحدي الأكبر يكمن في ضمان استدامة هذه الإجراءات وعدم العودة إلى الفوضى السابقة بمجرد انحسار الحملة. كما أن الإنصاف في التطبيق يعد عاملا حاسما لتجنب الإحساس بالتمييز أو استغلال النفوذ.

ربما يكون الحل الأمثل في تكثيف الرقابة الدائمة على احتلال الملك العام، مع وضع آليات قانونية صارمة تعاقب المخالفين دون استثناء. وفي ذات الوقت، يجب التفكير في حلول بديلة توفر فضاءات قانونية للباعة المتجولين والمستثمرين الصغار حتى لا يجدوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع القانون دون خيارات أخرى.

إن تحرير الملك العام خطوة تستحق التنويه، لكنها بحاجة إلى تخطيط محكم واستمرارية لضمان تحقيق أهدافها. فالمواطنون يريدون أن يروا شوارع مدنهم نظيفة ومرتبة، دون أن يشعروا بأن هناك استثناءات تميز البعض عن الآخر. إذا أُحسن تنفيذ هذه الخطوة، فقد تكون بداية لعهد جديد من التنظيم والعدالة في الفضاءات العامة بالمغرب.

ختاما، فإن حرير الملك العام ليس مجرد تنظيم للأرصفة والشوارع، بل هو استعادة لحق المواطن في وطنه وحق الوطن في الانضباط والنظام. إنها معركة بين الفوضى والنظام، بين المصلحة الفردية والواجب الجماعي. اليوم، تقف السلطات أمام اختبار حقيقي: هل ستنجح في فرض العدالة على الجميع دون محاباة؟ أم ستخضع لضغوط المصالح الضيقة لتعيدنا إلى نقطة الصفر؟ المواطن المغربي يستحق شوارع لا تُباع ولا تُشترى، فضاءات تعكس روح الاحترام والكرامة، وأفعالا ترسخ الثقة في أن القانون فوق الجميع.

الاخبار العاجلة