بقلم مصطفى مجبر //المغرب العربي
في قلب جماعة كلاز، حيث يتعايش الناس مع قسوة الطبيعة ويصارعون مرارة الحياة اليومية، يقبع دوار عين زيتون، الذي تحاصره معاناة لا حصر لها. هنا، ليس فقط الطريق وعرة وموحشة، بل الأرواح أيضًا منهكة من شظف العيش. بين شح الماء وبعد الخدمات الصحية والتعليمية، تتلاشى الأحلام البسيطة وتزداد المعاناة بمرور الأيام. فكيف يمكن لأصوات الألم والاستغاثة أن تصل إذا كانت الصدى لا يجد أذنا تسمعه؟
يعاني سكان عين زيتون بجماعة كلاز من معاناة شديدة بسبب الطرق الوعرة التي تصل إليهم، ونقص الماء الذي يسقى من ينبوع واحد يكاد لا يكفيهم، مما يجبرهم على الاعتماد على الحمير لنقل الماء، وبالرغم من محاولات بناء بئر من احد المحسنين، تعثرت الأمور للأسف بسبب الصخور الكبيرة التي تحتاج إلى تجهيزات خاصة لإزالتها، مما أدى إلى تعطيل المشروع وإحباط السكان.
أما فيما يتعلق بالخدمات الصحية، فإن أقرب مركز صحي يبعد عنهم 16 كيلومترا، مما يعرضهم لخطر الوفاة قبل أن يصلوا إلى المستشفى في حالات الطوارئ مثل لدغات الثعابين أو العقارب.
ويزداد الوضع سوءا في التعليم، حيث يعاني الأطفال من هدر كبير في مستوى التعليم، بسبب بعد المدرسة ونقص وسائل النقل المدرسي، مما يجبر الأهالي على توقيف أبنائهم عن الدراسة لمساعدتهم في أعمال البيت والحصول على الماء والاستعانة بهم في رحلة السقاية الشاقة واليومية.
بالإضافة إلى ذلك، يشكو السكان من وعود مستمرة من المرشحين السياسيين في كل انتخابات دون أن يرون أي تحسينات عملية، مما أدى إلى فقدانهم للثقة بالسياسيين والمسؤولين الحاليين، بل والأكثر من هذا فبمجرد فوزهم في الانتخابات، ينشغل الرؤساء والمنتخبون بتصفية حساباتهم السياسية على حساب سكان دوار عين زيتون، الذين يتحملون العقاب فقط لأن أحد أبنائهم تجرأ على المنافسة في الحملة الانتخابية ضد أحد الفائزين..
هذه القضية اقل ما يمكن القول عنها انها تعكس واقعا مؤلما يجب أن يسمع صوتهم وأوجاعهم لإيجاد حلول جذرية وفعالة لمشاكلهم المستمرة
وفي ظل هذه المعاناة القاسية التي تفتك بسكان عين زيتون، يظل السؤال معلقا في الهواء: إلى متى ستبقى هذه الأرواح تصارع من أجل البقاء في عزلة تامة عن أبسط حقوق الحياة؟ هل سيظل سكان هذا الدوار محاصرين بين وعود جوفاء وأحلام مقتولة؟ أم أن بصيص الأمل سيعود من جديد، وينهض من بين ركام اليأس ليضيء دروبا لطالما كانت مظلمة؟ إن صبر هؤلاء الناس ليس له حدود، ولكن إلى متى سيظل هذا الصبر صامتا في وجه تجاهل لا يرحم؟
وخلاصة القول فلربما يرى بعض المسؤولين أن دوار عين زيتون يندرج ضمن “المغرب الغير النافع” كما كان يطلق عليه المستعمر الفرنسي، إنه مغرب بعيد عن أعين العالم، مغرب القرى المنسية والهوامش التي طواها النسيان، حيث يعيش الناس حياة بسيطة تقارب حدود البؤس والمعاناة.. وانا أطلق عليهم بالأحرى “المغرب الصامت”، لأنهم خارج حسابات الأحزاب السياسية التي لا تذكرهم إلا وقت الانتخابات، وليس لهم مكان في النقابات أو صوت في وسائل الإعلام الرسمية…ولربما هذا هو المغرب الذي يأتيه مخرجوا ومنتجوا الأفلام لكي يصورون فيه كيف اكتشف الإنسان القديم النار والزراعة والنقش على الكهوف..
إنهم صامتون اضطراريا، فهم منشغلون بالكفاح اليومي من أجل البقاء في مواجهة الطبيعة القاسية التي انهكت جهدهم واستهلكت حياتهم على أمل أن تسمع اصواتهم قبل فوات الأوان.