غلاء أضحيات العيد.. لا تجف الأرض بل تقسى القلوب والنفوس

غلاء أضحيات العيد.. لا تجف الأرض بل تقسى القلوب والنفوس
مصطفى مجبر
مصطفى مجبر

بقلم: مصطفى مجبر

فرحة العيد.. هاهي تتلاشى أمام واقع مرير يتسم بارتفاع غير مسبوق في أسعار الأضاحي، مما يثقل كاهل الأسر الفقيرة ويزيد من معاناتها. في هذه اللحظة التي كان يجب أن تكون مصدر سعادة وراحة، يجد المواطن المغربي نفسه أمام معادلة صعبة بين متطلبات الحياة اليومية وتكاليف الأضحية الباهظة. هذا الواقع يعكس أزمة عميقة تتجاوز الاقتصاد لتصل إلى جذور القيم المجتمعية والدينية، ليظل السؤال المحير: أين هو التضامن الحقيقي في وقت الشدة؟.

إن الارتفاع الحاد في أسعار أضاحي عيد الأضحى في المغرب، قد كشف بوضوح عن الفجوة العميقة بين الوعود الحكومية والواقع المعيشي للمواطنين. هذا الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، الذي جاء رغم تطمينات الحكومة بتوفر الأضاحي، وضع الأسر المغربية، وخاصة الفقيرة منها، في مواجهة مباشرة مع خيبة أمل شديدة ويأس عميق.

الجفاف، غلاء الأعلاف، والمضاربين الجشعين.. تعددت الأسباب والخذلان واحد!.. وكلها للأسف لعبت أدوارا محورية في تشكيل هذه الأزمة.

الحكومة، التي قررت دعم مستوردي الأغنام بمبلغ 500 درهم لكل رأس غنم مستورد، لم تنجح في كبح جماح الأسعار أو التخفيف من معاناة المواطنين، ما يبرز ضعف الرقابة والفساد الذي يتغلغل في هذا القطاع.

أما المواطن المغربي، الذي كان ينتظر حلول عيد الأضحى بفرحة وترقب، وجد نفسه محاصرا بين مطرقة الأسعار الملتهبة وسندان وعود جوفاء، وبالنسبة للأسر الفقيرة وصغار الفلاحين كانوا ولا يزالون الخاسر الأكبر في هذه المعادلة القاسية، حيث إن التلاعب بالأسعار والغياب شبه التام للرقابة الفعالة أدى إلى استنزاف مواردهم وإغراقهم في مزيد من الديون.

إن هذا الوضع المأساوي يثير تساؤلات حادة حول القيم الدينية والأخلاقية التي يفترض أن تكون نبراسا للسياسات الحكومية والتعاملات التجارية، فكيف يمكن لمجتمع يدعي الالتزام بقيم العدالة والتكافل أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا التلاعب الفاضح بالأسعار؟

إن المواطن المغربي يستحق أفضل من هذا، فالحلول المؤقتة والدعم المالي المحدود ليست كافية. هناك حاجة ملحة لإصلاحات جذرية في نظام الرقابة على الأسواق وتطبيق القوانين بصرامة لضمان العدالة والحفاظ على القيم الإنسانية والدينية.. فقط من خلال هذه الخطوات يمكن استعادة الثقة وتخفيف العبء عن كاهل الأسر المغربية وضمان وصول الأضاحي بأسعار معقولة وعادلة للجميع
الأسعار المتصاعدة لأضاحي عيد الأضحى في المغرب لا تعكس فقط أزمة اقتصادية، بل تتجاوز ذلك لتصبح مرآة تعكس أزمة قيم ومبادئ، إذ في مجتمع يفترض أن يقدر التضامن والتآزر، نشهد اليوم تجليا صارخا للجشع والتلاعب بمشاعر الناس وحاجاتهم الأساسية وابتزاز جيوبهم.

المواطن البسيط الذي ينتظر هذه المناسبة الدينية العظيمة بفارغ الصبر، يجد نفسه عاجزا عن تلبية رغبات أبنائه وممارسة شعائر دينه بسبب الأسعار التعجيزية، يتساءل هذا المواطن المحبط: أين هي الوعود الحكومية التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ؟ أين هي رقابة الدولة التي كان من المفترض أن تحميه من استغلال المضاربين والشناقة؟ وأين هو التضامن المجتمعي الذي يفترض أن يكون الركيزة الأساسية في الأعياد والمناسبات الدينية؟

في ظل هذا الوضع، تتحول فرحة العيد إلى عبء ثقيل يثقل كاهل الأسر الفقيرة، وبدلا من أن يكون العيد مناسبة للتراحم والتكافل، يصبح مناسبة للشعور بالخذلان واليأس. الأرقام تتحدث بلغة قاسية: الأضاحي المتوسطة الجودة تتراوح بين 3500 و4500 درهم، والجيدة بين 5000 و8000 درهم. هذه الأرقام شكلت حقا كابوسا للأسر ذات الدخل المحدود التي تعاني أصلا لتوفير احتياجاتها الأساسية.

الحكومة حاولت، بقرار دعم مستوردي الأغنام، أن تقدم حلا جزئيا، لكن هذا الدعم لم يكن كافيا أبدا ولم يصل إلى مستحقيه بسبب التلاعبات وغياب الرقابة الفعالة. النتيجة كانت أن المواطن المغربي وجد نفسه وحيدا في مواجهة أزمة تضاف إلى أزماته اليومية.

هذا الوضع المأساوي يحتاج إلى وقفة جدية من جميع الأطراف: الحكومة مطالبة بتفعيل الرقابة الصارمة ومحاسبة المضاربين؛ المجتمع المدني يجب أن يتحرك لتعزيز قيم التكافل والتضامن؛ ووسائل الإعلام ينبغي أن تبرز هذه القضايا بوضوح وتضغط من أجل التغيير.

نحن أمام مفترق طرق: إما أن نترك الأمور تسير نحو مزيد من الاحتكار والجشع، أو نتكاتف جميعا لنضمن أن يكون عيد الأضحى مناسبة للفرح والكرامة للجميع، بعيدا عن الاستغلال والظلم… المواطن المغربي يستحق حياة كريمة وفرحة عيد مكتملة، وهذا لن يتحقق إلا بإصلاحات جذرية وتضامن حقيقي

ويبقى الأمل معقودا على أن تجاوز هذه الأزمة يتطلب جهودا متكاملة من الحكومة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام على السواء، للوقوف بحزم ضد التلاعبات وضمان العدالة للجميع. يجب أن نتذكر أن روح عيد الأضحى تتجسد في التضحية والعطاء، وأن الفرحة الحقيقية تنبع من قدرة كل أسرة، مهما كانت ظروفها، على الاحتفال بهذه المناسبة بكرامة وفرح. على أمل أن يعيد المستقبل للأعياد رونقها، وتعود البسمة إلى وجوه كل من يعيش في هذا الوطن الحبيب، فلا المضاربين ولا غلاء الأعلاف ولا الجفاف سببا في خذلان المواطن، بل هو جفاف القلوب والنفوس.

الاخبار العاجلة