بقلم: مصطفى مجبر
في مشهد يدعو للسخرية، قام العمدة مؤخرا بزيارة ساحة فلورونس، وكأنها زيارة مفاجئة لمكان لم يسمع عنه من قبل. تجول بين حاويات النفايات المنتشرة في كل زاوية، وكأنها جزء من الديكور الحضري، بينما كانت رائحة الفوضى تملأ الأجواء..
كان يمكن للمرء أن يتخيل أن العمدة سيفعل شيئا حيال هذا الوضع المزري، لكن بدلا من ذلك، اكتفى ببضع كلمات جوفاء عن خطط مستقبلية وتحسينات قادمة… ولعل الأكثر إثارة للسخرية هو حرصه على تجنب الحديث عن الدعارة الرخيصة التي أصبحت علامة مميزة للساحة، وكأنه يخشى الاعتراف بالواقع المؤلم.
تبدو هذه الزيارة كأنها محاولة يائسة لتهدئة الانتقادات المتزايدة من سكان المدينة، فالعمدة، رغم كل وعوده، لم يقدم أي خطة حقيقية أو إجراءات ملموسة لتنظيف الساحة وإعادتها إلى مجدها السابق، بل على العكس، بدت زيارته كأنها مسرحية هزلية، تفتقر إلى الجدية والإصرار على التغيير.
حقا، ما الذي حدث لساحة فلورونس؟ يبدو أن الساحة التي كانت يوما ما جوهرة متلألئة في قلب المدينة قد تحولت الآن إلى مكب نفايات بامتياز. لا يمكن للمرء أن يخطو خطوة واحدة دون أن يعثر على حاوية نفايات ملقاة في كل زاوية، وكأنها زينة جديدة للساحة. أما الدعارة الرخيصة، فقد أصبحت من أبرز معالمها، حتى أنك تكاد تعتقد أن الساحة قد تحولت إلى مسرح مفتوح لعرض مسرحي رخيص.
ناهيك عن الحمقى والمشردين، ينامون هنا وهناك، يجسدون صورة الساحة الجديدة ببراعة. وعلى الرغم من كل هذا، فإن الاهتمام بالساحة يظهر فجأة، ولكن فقط عندما يتعلق الأمر بنصب خزائن المعارض أو الاستعداد لحناء 27 من رمضان. إنه مشهد مثير للشفقة، حيث يتم تجاهل الساحة معظم أيام السنة، ثم يتم تجميلها مؤقتا لاحتضان فعالية، وكأنهم يحاولون إخفاء عيوبها بورقة تين، او كأن الساحة تتحول في لحظات إلى قاعة احتفالات، قبل أن تعود سريعا إلى حالتها المزرية
ساحة فلورونس، التي كانت يوما ما رمزا للجمال والنظام، أصبحت الآن رمزا للإهمال والفوضى. يبدو أن السيد العمدة قد نسي تماما دوره في الحفاظ على هذا المعلم الحضري، وتركه ليصبح ميدانا للنفايات والعشوائية. نحن بحاجة إلى إعادة النظر في كيفية التعامل مع هذا المكان، واستعادة مجده السابق، بدلا من تركه يغرق في قاع الإهمال واللامبالاة..إنها صورة مؤسفة تعكس التدهور الشامل وانعدام المسؤولية.
في النهاية، تبقى ساحة فلورونس شاهدة صامتة على التقصير والإهمال.. نحن مدينون لهذا المكان التاريخي بإعادة الحياة إليه، بتطهيره من النفايات والفوضى، وإعادته إلى مكانته الرفيعة في قلب المدينة..
وخلاصة القول، هل ستكون زيارة العمدة هذه مجرد ذكرى أخرى في قائمة الإهمال التي تتعرض لها ساحة فلورونس؟ أم أن هذه الزيارة ستتحول إلى نقطة تحول حقيقية؟ يبدو أن الوقت وحده سيخبرنا، لكن حتى ذلك الحين، ستبقى الساحة رمزا للصراع بين الإهمال والتغيير
ويبقى السؤال المطروح ، هل هذا هو المصير الذي تستحقه ساحة فلورونس؟ أم أنها مجرد ضحية أخرى للتقصير البيروقراطي؟ نحن بحاجة إلى وقفة جادة لإعادة الاعتبار لهذه الساحة، ولنعيد لها رونقها الذي فقدته وسط أكوام النفايات وغياب الرعاية.