فاس تناجي الزمن: الأمطار هي السبب؟! هل نموت عطشا أم نموت تحت أنقاض الإهمال..

فاس تناجي الزمن: الأمطار هي السبب؟! هل نموت عطشا أم نموت تحت أنقاض الإهمال..
مصطفى مجبر
مصطفى مجبر

بقلم: مصطفى مجبر

في قلب مدينة فاس، حيث تتنفس الأزقة الضيقة والمباني العتيقة، هناك قصص تعود لقرون مضت، تختبئ وراء جدرانها المتهالكة أزمة تنخر في صميم التراث والحياة الإنسانية. هذه المدينة، التي تعد منارة للحضارة والثقافة، تواجه اليوم تحديات جسيمة تهدد كيانها وسكانها، وفي مقدمتها انهيار المنازل تحت وطأة الأمطار الغزيرة وتآكل أسس البنايات القديمة. معالجة هذه الأزمة بحلول مؤقتة، كدعم الأحياء القديمة بالخشب، لا تعدو كونها مسكنات قصيرة الأمد لجرح يتسع ويعمق. هذا الوضع يطرح أسئلة ملحة حول دور السلطات، وكيفية إدارة الموارد، والمسؤولية المشتركة للحفاظ على هذا التراث الحي. إن الوقت قد حان لتسليط الضوء على هذه الأزمة، والغوص في أعماق مشكلات فاس العتيقة، فأين يكمن جذر المشكلة وكيف يمكن للمجتمع المدني والسلطات المحلية التعاون لإنقاذ هذه الجوهرة التاريخية قبل فوات الأوان؟!.

إن مشكلة الأحياء القديمة والمنازل المهترئة في مدينة فاس، وخصوصا تلك التي تتأثر بالأمطار الغزيرة، تطرح تساؤلات جادة حول مدى فعالية السياسات العامة وإدارة الموارد والسلطان المحلية، إن الحلول المؤقتة والترقيعية مثل استخدام الأخشاب لدعم البنايات بدلا من إجراء إصلاحات جذرية تبدو كمحاولات سطحية لمعالجة مشكلات عميقة الجذور، تعكس نقصانا وتقصيرا في التخطيط والاستثمار المستدام.

أولا، يظهر الاعتماد المفرط على الحلول المؤقتة مثل دعم الأحياء القديمة بالخشب عدم استعداد أو قدرة السلطات على مواجهة المشكلة بجدية…، هذا النهج لا يقدم حلا دائما ويعرض السكان للخطر بشكل مستمر، خصوصا خلال الأمطار الغزيرة حيث تزداد احتمالية انهيار المنازل.

ثانيا، الاستثمارات الباهظة التي يتم صرفها على هذه الحلول المؤقتة تثير تساؤلات حول كيفية إدارة الأموال العامة. بدلا من توجيه هذه الميزانيات نحو إصلاحات جذرية وتحسين البنية التحتية، يبدو أن هناك إفراطا في الاعتماد على تدابير قصيرة الأمد تفتقر إلى الاستدامة.

ثالثا، دور السلطات والمسؤولية يجب أن يتجاوز مجرد الاستجابة الطارئة للأزمات، إذ ينبغي تطوير استراتيجيات شاملة تركز على الوقاية والصيانة المستمرة للبنية التحتية، بالإضافة إلى تحسين ظروف المعيشة في هذه الأحياء القديمة. إن جمعية إنقاذ فاس والمنظمات المماثلة يمكن أن تلعب دورا هاما في هذا الصدد، ليس فقط من خلال المطالبة بتغييرات، ولكن أيضا من خلال المشاركة في عمليات التخطيط والتنفيذ، وليس الاقتصار على إمداد بعض المنازل ب 8 مليون و600 درهم التي قد لا تكفي لإصلاح السطح فبالأحرى منزل من ثلاثة ادوار.

رابعا، يجب على السلطات التعامل مع جذور المشكلة من خلال التخطيط العمراني السليم وتطبيق قوانين البناء التي تضمن سلامة واستدامة البنايات. إن الفحص الدوري للمنازل وتوفير الدعم اللازم للصيانة والترميم يمكن أن يمنع تكرار هذه الكوارث.

في الختام، الوضع في فاس يسلط الضوء على ضرورة إعادة التفكير في كيفية إدارة التراث العمراني وحماية السكان من المخاطر. يتطلب هذا التزامًا بالاستثمار في حلول طويلة الأمد وتبني نهج شامل يشمل الصيانة الدورية، التخطيط الحضري السليم، والتعاون بين السلطات المحلية، المنظمات غير الحكومية، والمجتمعات المحلية.

وفي النهاية ونحن نقف على أعتاب لحظة فارقة في تاريخ مدينة فاس العريقة، تبرز أمامنا صورة ملحمية لمعركة غير متكافئة بين تراث يصارع من أجل البقاء وواقع يهدده بالزوال. إن الأزمة التي تواجه الأحياء القديمة في فاس ليست مجرد تحدي معماري أو إشكالية عمرانية، بل هي اختبار لقيمنا، وتعبير عن إرادتنا المشتركة في حماية تراثنا وصون كرامة الإنسان. إن الحلول المؤقتة والتدابير السطحية لم تعد كافية؛ فالمطلوب اليوم هو استجابة شاملة تعالج جذور المشكلة، تستثمر في الإنسان والحجر على حد سواء، وتبني جسورا نحو مستقبل يليق بعظمة فاس وتاريخها.

يجب أن نتذكر أن كل حجر في فاس يحمل قصة، وكل زقاق ينبض بذاكرة، وأن مسؤوليتنا تجاه هذه الأرض لا تقتصر على الحفاظ عليها لأنفسنا فقط، بل للأجيال القادمة التي تستحق أن ترث مدينة غنية بثقافتها، مستقرة في بنيتها، وآمنة في معيشتها. في هذه اللحظة الحاسمة، يجب أن يتحد الجميع – السلطات، المجتمع المدني، سكان المدينة، وكل من يعز عليه تراث فاس – في جهد مشترك لإعادة كتابة الفصل القادم من قصة فاس، فصل يليق بمجدها التاريخي ويحفظ لها مكانتها كجوهرة لا تقدر بثمن في تاج الحضارة المغربية خصوصا والإنسانية عموما..

الاخبار العاجلة