في ظل أزمات اجتماعية واقتصادية تتسارع بتسارع احداثها المتقلبة، وبينما يواجه الكثيرون ضغوطات الفقر والبرد والحاجة، يفترشون أرصفة الشوارع ويلتحفون بورق الكارتون والجرائد، يخصص البعض الوقت والجهد لتنظيم جنازة لقطتهم، موثقين ذلك في مقاطع فيديو اقل ما يقال عنها انها مستفزة !.
في وقت تعصف فيه القضايا الاجتماعية والإنسانية بالعالم، يبدو أن أحداث الجنازات تأخذ الصدارة في قائمة الأولويات، على الأقل من وجهة نظر ابنة مسؤول التي تعيش في عالم مواز لواقع البشر العاديين لكن حتما لا تعيش عالمهم. فمن دون أدنى اهتمام للمواطنين الذين دقت أعناقهم مشانق غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار والقلق والتوتر وضغوطات الحياة اليومية، تقرر هذه الابنة أن تخصص وقتها وجهودها لتنظيم جنازة ضخمة لقطتها ب”الطلبة” وما جاوره..
هل هذا فعلا مثال على توجهاتنا الحالية؟ هل يمكن للحزن في مراسم القطط أن يلقى الضوء على انعكاساتنا كمجتمع ويصلح منا كمتطلعين لآفاق مستقبلية تنفع البلاد والعباد؟. كيف يتداخل الواقع الاجتماعي بأحداث لا تصدق، وبصراحة اود ان افهم كيف يمكن لجنازة قطة أن تكون محور اهتمام تلهب مواقع التواصل الاجتماعي فيما يعاني الكثيرون من الحياة الصعبة في كل لحظة ومع كل نفس.؟!
من يعلم؟!, ربما كانت القطة تمتلك تأثيرا كبيرا في السياسة الداخلية اوالعالمية، أو ربما كانت تتولى المفاوضات الدولية. على الأقل يمكننا أن نأمل أن تكون القطة قد تركت وصية لمنح الجميع حقوقهم الكاملة في صناديق الرمل.
يقومون بالإحتفال بجنازة القطط في فيلاتهم الفخمة. لعلهم يدركون أن القطط لديها أولويات أهم من حياة البشر.
ربما يكون لدينا هنا قضية جدلية حقيقية: هل يجب أن تكون حياة القطة أهم وأكثر جلالة من حياة البشر الذين يعانون ويواجهون الأمور الصعبة؟ يبدو أن الجواب واضح بالنسبة لابنة السياسي، حيث يتجلى تفرغها لمثل هذه الافعال لإقامة مراسم جنازة لقطة “على حقها وطريقها* وبشكل لافت، ليحاصرنا سؤال مهم: هل تكونت مجتمعاتنا حقًا لنرعى جنازات القطط بينما يعاني الآخرون من قسوة الواقع؟.
المتشردون، بالطبع، يمكنهم أن يحلموا بالحصول على القليل من تلك الاهتمامات والرفاهية، ولكن يبدو أن حظوظهم قد تجاوزتهم. ربما يكون الحل في أن يتبنى المتشردون قططا، لكي يحصلوا على حقهم في جنازة رائعة بدلا من المبيت في البرد القارس.
فيما يواجه المواطنون المحن اليومية ويكافحون من أجل البقاء، تحتفل السيدة بوفاة قطتها كما لو أنها قائدة عظيمة فارقت الحياة بعد حياة استثنائية في عالم السياسة القططية. ربما يمكننا توقع تنظيم موكب جنائزي للقطة يجوب شوارع المدينة، بينما ينتظر المواطنون جوابا بسيطا عن كيفية الخروج من عنق الزجاجة !.
قد تكون هذه فرصة للمواطنين للانخراط في علاقات مع القطط، ليحظون ببعض الاهتمام، اهتمام أكبر من البشر،حيث في مشهد غريب، يظهر أنه بينما تتألق جنازات القطط برفاهية الاحتفال، يختبئ الكثيرون في الظلام، يواجهون البرد والحاجة دون أي رعاية. وربما تكون هذه نقطة فارقة تدعونا إلى التأمل، ففي كلمات السخرية قد يكمن الوعي بالواقع.
إنها ليست نهاية قصة، بل هي بداية للنظر بانتباه أعمق في انعكاسات اهتماماتنا وقيمتنا كبشر، لنتذكر دائما أن الواقع يحمل في طياته الكثير من الفرص للتفكير والتأمل والمقارنة، وقد تبدأ هذه التحسينات بالاهتمام بأولئك الذين يحتاجونه بشكل حقيقي في هذا العالم المعاكس والمتناقض تناقضات يحمل الكثير من الاستهزاء والألم.