مدينة فاس فوق صفيح ساخن بين ارتفاع مؤشر الجريمة والغياب الأمني

مصطفى مجبر30 نوفمبر 2023
مدينة فاس فوق صفيح ساخن بين ارتفاع مؤشر الجريمة والغياب الأمني
مصطفى مجبر

مصطفى مجبر

منذ اقل من ساعتين حدثت جريمة سرقة لهاتف احد المواطنين بحي السعادة بفاس، ومن كثرة ما نسمع مثل هذا النوع من الجرائم قد يبدو الخبر مؤلوفا جدا للقارئ خصوصا انه حدث بمدينة فاس!, لكن ما هو غير مألوف هو بتر اليد بهاتفها.. وكأن السارق كان يود أخذ بصمة الأصبع ايضا مع الهاتف!!.
إنه لأمر مشين أن اصبحنا نسمع ونرى وقوع العشرات من الجرائم في اليوم الواحد بمدينة فاس، حتى اصبحت ساكنة المدينة يندى لها الجبين من خجل الانتماء..، فقد لا نتكلم عن اسعار الطماطم والفلفل والبوطاغاز، وقد نمر مرور الكرام في كتاباتنا الصحفية عن أزمة وسائل المواصلات المهترئة والصدئة بل والمنتهية الصلاحية، كما قد لا نجر شاكلة مقاهي الشيشة وبيوت الذعارة التي غالبا ما تكون مالكتها “لالة الحاجة” او كما يحلو لهن أن يسمين انفسهم، ربما كل ذلك لا يهم كثيرا الآن مقارنة بقطع اليد بهاتفها بدافع السرقة.. لكن ان يتم سرقة المواطنين بالشارع العام بهذا الشكل الهمجي والإجرامي فذلك ما لا يمكن السكوت عليه او تجاوزه.

هذه الواقعة جعلتني اتذكر انني في احد الأيام سألت صديقا لي كان يعمل في الشرطة، حول غياب الأمن في بعض الأحياء لمدينة فاس، خصوصا الشعبية منها أو كما هي معروفة عند الأجهزة الأمنية بالبؤر او النقط السوداء، فأجابني صديقي الشرطي أنه من الصعب بل ومن الإستحالة ان يتم ركن شرطي في كل حي، وحينها اقتنعت بجوابه، وقلت في نفسي أنه قد يكون محقا… لكن بعد تنامي ظاهرة الجريمة والسرقة الموصوفة والسرقة بالعنف، وحدث ولا حرج في انواع السرقات، ايقنت ان الإجابة ليست بتمركز عدد معين من رجال الشرطة بأحياء فاس وخصوصا الهامشية منها، بل هو في قوة الحضور لرجال الشرطة انفسهم وفرضهم للأمن واستثبابه. وليس بتمرير برقيات تشبه بعضها البعض فيما بينهم لا تغني ولا تسمن من جوع .

إن مدينة فاس قد دقت ناقوس الخطر فيما سبق، انا اليوم فلا عجب انها ترقص على صفيح ساخن ملتهب بالأسلحة البيضاء والبوفا والقرقوبي، ليقضي المتهم بما يعرف ب deux coup دو كو، او 48 ساعة الى حين عودته إلى استكمال زجاجته الخمرية او صاروخه الأرض جوي بعد خروجه مباشرة ..

في هذا المقال، لن اتحدث عن أسباب تنامي الجريمة بمدينة فاس او عن العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية التي حتما تلعب دورها في تفاقم هذه المشكلة، ولن قوم بتسليط الضوء على زيادة حالات الجريمة في مدينة فاس وتحليل الأسباب الرئيسية وراء هذا التنامي، كما انني لن اقدم رؤى تحليلية حول كيفية تحسين أنظمة إنفاذ القانون وتشجيع المشاركة المجتمعية للحد من معدلات الجريمة في هذه المدينة، ولن أتحدث عن ارتفاع معدلات البطالة او كون الفقر وعدم المساواة حافزين للبحث عن سبل تحسين الظروف المعيشية عبر ارتكاب الجريمة، فلست فيلسوفا ولا رجل أعمال ولا محللا نفسيا او اقتصاديا، أنا إبن مدينة فاس، ولدت من رحم الفقر والمعاناة ولم ابصق يوما في وجه الظروف ولم اضطر يوما إلى ارتكاب جريمة من اجل تحسين وضعيتي المادية، لكنني عشت في ظروف أمنية مشددة كان فيها الدخول إلى السجن من سمات الرجولة واحترام القانون دليلا على الوعي والثقافة، والسكوت عن الحق نذالة وشماتة، ورجل الأمن كان فيها يقبل يد معلمه قبل تكبيل يدي المتهم بالأساور الحديدية.

واخيرا وليس آخرا، وبعد قلمي الذي أعتبره كل مالدي وكل ما املك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من أطلال لمدينة فاس، أقدم شكواي إلى الله في كل من ساهم من قريب أو بعيد في طمس هوية فاس العالمة وجعلها كعاهرة تكتري فرجها لمن يدفع اكثر او بالأحرى لمن ينهبها اكثر، فرائحة العهر خنقت أنوفنا يا سادة وقد حان لفاس أن تركن للسكينة، ففاس حرة والحرة لا تأكل من ثديها.

الاخبار العاجلة