فاس تحتضر والمسؤولون “يقطرون” لها الماء إلى حين استصدار أمر بالدفن!

رئيس التحرير23 أبريل 2022
فاس تحتضر والمسؤولون “يقطرون” لها الماء إلى حين استصدار أمر بالدفن!
رئيس التحرير

بقلم مصطفى مجبر

حين تتكلم عن مدينة فاس العالمة فأنت تتكلم عن قلب المغرب النابض وعن تاريخ 12 عشر قرنا من العمر، فمجرد أسوارها تشهد على ذلك، أما أبوابها فتنطق لسانا عربيا عبر النقوش والزخرفات..
لكن للأسف ما فتئت فاس تنهار ديارها وبناياتها وحتى أحيائها العتيقة، وتنهار معها حضارة أمة بأكملها تحت الأنقاض، وذلك على مرأى ومسمع من السلطات ومن المسؤولين، الذين لم يقدموا الشيء الكثير لهذا الصرح العظيم الذي يلفظ أنفاسه يوما بعد يوم احتضارا وتحسرا أمام الساكنة، فيكفي أنه سبق ووجهت اليونسكو سنة 1980 نداء لإنقاذ معالم مدينة فاس القديمة من الانهيار كما صنفتها سنة بعد ذلك ضمن لائحة التراث العالمي.

ولعل مشهد نوفمبر قبل بضع سنوات لدليل قاطع على ما سبق ذكره، عندما انهار بيت قديم على مسجد به مصلين بحي عين البغل، لقي على إثره عشر أشخاص حتفهم وهم في وضعية سجود، وجرح آخرون بجروح متفاوتة الخطورة، ناهيك عن الهلع والخوف الذي مازال يعاني منه الناجون وأهل الحي على السواء.

وهنا ربما يجدر بنا ذكر مجهود الوكالة الحكومية للتخفيض من الكثافة وإنقاذ مدينة فاس والتي تأسست سنة 1989، بحيث حاولت المؤسسة إنقاذ مدينة فاس، إلى حد ما، فوقعت اتفاقيات مع الحكومة والسلطات المغربية وجهات اجنبية تدعمها بالقروض كالبنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المعالم الحضارية المهددة بالانهيار والآيلة للسقوط بمدينة فاس، حفظا لماء الوجه ورد الاعتبار لفاس.

وكان وقع المغرب مع البنك العالمي اتفاقية في نوفمبر 1998 بقيمة 130 مليون درهم لرد الاعتبار للتراث المبني وتقوية مؤسسة وكالة التخفيض من الكثافة وانقاذ مدينة فاس بشراء آليات التجريب والتكوين…

لكن ما وقع هو أن البنك الدولي لاحظ أن المؤسسة المذكورة لم تقم باللازم والذي من المفروض القيام به، لأن المؤسسة اكتفت بتقديم مبلغ زهيد لا يزيد عن 80 الف درهم لمساعدة بعض الساكنة لترميم الدور العتيقة الآيلة للسقوط، وكان المبلغ المقدم عينيا وليس نقديا، بحيث كان عبارة عن أكياس من الرمل والإسمنت وبعض الآجور و”الطوبية” ، سواء غطت تكلفة الدعم الضرر كاملا أو بعضا منه أو أنه بالأحرى لم يغط شيئا عن الإطلاق، فتضطر المؤسسة ترك أشغال الترميم التي تقوم بها في منتصفها ضاربة بعرض الحائط الهدف الأسمى الذي سطرت تحته الميزانية المقدمة من أجل ذلك وهو الإصلاح والترميم وإعادة الاعتبار!.

ثم بعد ذلك قامت المؤسسة بدعم الأحياء العتيقة لمدينة فاس ببعض الخشب، هذا الخشب الذي جعل فاس محصورة في شبه تابوت، وكأنهم جهزوا نعشها في انتظار استصدار ترخيصا بدفنها أبديا، وهذه الحركة إن دلت على شيء فإنما تدل على تبطيء عملية الانهيار وليس على الإصلاح ورد الاعتبار لمدينة فاس، فإذا كانت فاس بدأت بالسقوط دارا بعد دار ومسجدا بعد مسجد وحيا بعد حي، فلا بأس أن يتم تبطيء سقوطها إلى أن يشاء الله، وتجدر منا الإشارة إلى كون ميزانية “التابوت” المذكور، أو التدعيم بالأخشاب، هي نيزانية استهلكت تكلفة بمئات الملايين من السنتيمات، وذلك فقط درا للرماد في الأعين وربطا للألسن لا أكثر ولا أقل، فلا إصلاح تم ولا يحزنون.
هذا ولا ننسى أن الصحافة المغربية تناولت فيما سبق الموضوع كمادة دسمة تمحورت حول كون الفرق شاسع بين التدعيم والترميم كفرق السماء والأرض، فتحدثت عن سوء تدبير هذا المال، وكانت النتيجة امتناع البنك الدولي واليونسكو عن تقديم المزيد من المساعدات، وحينها قال فؤاد السرغيني المدير العام لوكالة التخفيض من الكثافة وانقاذ مدينة فاس لرويترز: “المعادلة الصعبة التي نواجهها هي كيفية الحفاظ على التراث التاريخي الهام للمدينة وفي نفس الوقت الحفاظ على العنصر البشري.”، ثم خرج المسؤولون لقول جملة واحدة:”إنها مجرد ادعاءات باطلة لا صحة لها من الواقع”، أولو كان الواقع يندى له الجبين حين تخشى المرور من أحياء فاس وكأنها ستسقط بين لحظة وأخرى على رأسك ككسف من السماء إلا من رب ممسك لرحمته.
أوليست فاس هذه تختارونها لتقيمون بها المهرجانات التاريخية والثقافية؟!، أوليست فاس هذه تختارونها لتقدموا على خشباتها الحفلات الصوفية والروحية والملتقيات العالمية؟!، أوليست فاس هذه طاف جلالة الملك محمد السادس بابنه الامير الحسن، في حفل ختانه، طاف به في ازقتها العتيقة للوصول إلى ضريح مولاي ادريس الازهر (مؤسس مدينة فاس)؟!.
وبعد كل هذا، ماذا تمثل لكم فاس حين تذكرونها عند مصالحكم وتنكرونها عند تعارض مصالحكم، أم هي قصعة يلتف حولها اللئام؟!.
نحن لا نريد منكم شيئا، سوى رد الاعتبار لهذه المدينة المفقودة، تضمدون جراحها وتلتفون حولها وتعترفون بجمائلها، أم أنكم من خيرها تغترفون ولا تعترفون؟!.

الاخبار العاجلة