لعبة الحياة.. حقائق ام تداعيات؟!

رئيس التحرير19 مارس 2022
لعبة الحياة.. حقائق ام تداعيات؟!
رئيس التحرير

كتبت: حنان الطيبي

قبل ظهور كورونا بقليل كانت الدنيا بخير إلى حد ما، ومع قرب انتهاء الجائحة عمت بدلها جائحة من نوع آخر، هي جائحة اجتماعية وسوسيولوجية بامتياز، لمست بشكل كبير الجانب الإنساني منا قبل الجانب العاطفي، وتجسدت بشكل ملحوظ وواقعي في ما تلخصه عبارات تحذيرية من الآخر مهما كان نوع العلاقة التي تربطنا به، ومن بين هذه العبارات عبارة “فكر في نفسك اولا ولا تسعى لتطييب الخواطر”، و ” اللي يغضب يتحرق وأنا مالي”، و”لا تحاول تبرير افعالك لأحد”، و”إقطع تواصلك مع أي شخص يمنحك علاقة مسمومة مهما كانت القرابة منكم، حتى لو اهلك او اخوك”… والأمثلة كثيرة جدا إلى حد التخمة!.

إن جائحة قطع العلاقات الاجتماعية أبشع بكثير من جائحة كورونا، فإذا كانت هذه الأخيرة تقتل الأجساد فالتانية تقتل القلوب والنفوس معا.
لا شك أن إرضاء جميع الناس هو مطلب صعب ومستحيل ايضا، لكن لا بأس في المبادرة إلى ذلك دون ان ننسى إرضاء انفسنا ايضا، فلا عيب في مجاراة الناس ومساعدتهم قدر الإمكان، فلولا دفع الناس بعضهم لبعض لفسدت الأرض!.

قد تكون الظروف التي عشناها مؤخرا بسبب تداعيات كورونا في حفظ المسافات والمساحات الشخصية بين الأفراد عامل قوي في فتور العلاقات الاجتماعية، فمع الابتعاد الجسدي تولد بعض النفور والابتعاد النفسي والعاطفي، فقد حرمت علينا أشياء كثيرة بسلطة الفيروس، فلا اقتراب ولا تصافح ولا قبل ولا أحضان ولا شيء على الإطلاق.. ، بل الأكثر من هذا أن مع كل هذه المحرمات نستحضر الحذر والتوجس والوسواس والشك والخوف حتى من الضغط على زر المصعد!.

كورونا على وشك الرحيل، لكنها لن ترحل بمفردها كما كانت ظهرت، بل سترحل آخذة معها كل ما هو جميل من مشاعرنا وصداقاتنا وعواطفنا اتجاه من يحيطون بنا ونحيط بهمٍ.
والحق الحق أقول، فكورونا ليست المتهم الأول والأخير في سرقة دفئنا ببعض، إنما استطيع ترجيح عامل آخر لا يقل قوة واتهاما من عامل كررونا، والذي قد يجد البعض غرابة في توجيهي أصابع الاتهام له، وهو ظاهرة “الكوتشينغ”، او ما يعرف بالأساتذة المحفزين والمهتمين بمجال البرمجة العصبية والتنمية البشرية، وكذا المهتمين بما يعرف بعلم الطاقة، فقد تكون هذه مجالات مهمة ومفيدة إلى حد ما عندما ينتسب إليها البعض ممن يبحثون ويعطون دروسا فيها، وقد يستفيد الناس منها مؤقتا رغم انها تبقى مجرد نظريات شخصية، وكل ذلك لابأس به، لكن المصيبة الحقيقية أن الأغلبية أصبحت تتشدق بعلم الطاقة وعلم الأنا وحب الذات وغيرها من المسميات، فقد بتنا نراهم في كل مكان، يتكاثرون كما تتكاثر الفطريات عشوائيا، واصبح الناس مهووسين بالطاقة السلبية وكيف نتخلص منها والطاقة الإيجابية وكيف نجذبها، والطاقة الكهربائية والطاقة الشمسية والطاقة الخزعبلاتية.
زخم كبير وتخمة تثير الغثيان على مواقع السوشيال ميديا، بسبب انتشار فيروس الفيديوهات الطاقية، وفي كل المواضيع الحياتية ابتداء من كيف تخفض وزنك الزائد إلى العادة السرية!.

كلام ببغائي يقدمونه بأستذة ودكترة مبالغ فيهما، وكان الواحد يطل علينا من شاشة التلفزيون او شاشة الموبايل وفي يده عصا موسى التي فلق بها البحر الأحمر، وبابتسامة بلهاء وبذلة وربطة عنق، يطلعنا على السر الأعظم في الحياة، على كيف نجلب السعادة والحظ والوفرة!، وبتوكيدات غبية ينصحنا يترديدها طوال النهار والليل، بعدد محدد، لا تسمن ولا تغني من جوع سوى أنها تزيد في استغبائنا واستبلادتا اكثر، إذ تجلسين امام المرآة لترددي “انا جميلة”، عدد النائة وأزيد لتجدي مرآتك تسخر منك ومن هبلك، او تستلقي على ظهرك كل مساء لتردد ” أنا غني” وانت في الحقيقة تفتقد ثمن الرغيف وتبحث عن اي عمل حلال لخفظ ماء الوجه، او ان تقول انا معافى وأنت في الواقع تحتاج إلى نظام صحي خاص ومستعجل…
ايضا من هؤلاء من تجده يلقي علينا كل اللوم في ظروف لا يعرفونها ولا يعيشها إلا ذاك الذي يبحث عن حل لمشاكل لا يعلمها إلا الله، طائفا على هذا المقطع وذاك بين دروس ومحاضرات الأستاذ الفلاني والدكتور العلاني عساه ان يجد عزاءه في جملة أو نصيحة، فيجد الفلاني يدعوه إلى العزلة وقطع اواصره، ويجد العلاني يدعوه للاستيقاظ المبكر وبدء نهاره بالملح لطرد الطاقة السلبية!.

إن أزمتنا هي خليط بين ثلاث، وقاعدة حياتية لا غنى عنها، لا دخل للملح اوالسهر او التبكير فيها، فاما الثلاث فهم الفكر والعطاء والإيمان، وأما القاعدة فهي الرضا والقناعة والعقلانية.
وخلاصة القول، لا أحد يعيش ظروفك إلا أنت، ولا أحد يعرف كيف تلعب لعبة حياتك إلا أنت، فكل يلعب لعبة حياته بطريقته، وقانون اللعبة فوز وفشل، وانتصار وانهزام، وامتحانات نختبر فيها ونمتحن لنحصل الدرس بعد انتهاء الامتحان واستعراض المواقف، فنخرج منها إما بحقائق أو تداعيات!.

الاخبار العاجلة