مجلس جهة فاس ـ مكناس و”مستقبل كرة القدم” في الكوت ديفوار.. توجيه الموارد في الاتجاه الخطأ

مصطفى مجبر7 أغسطس 2024
مجلس جهة فاس ـ مكناس و”مستقبل كرة القدم” في الكوت ديفوار.. توجيه الموارد في الاتجاه الخطأ
مصطفى مجبر
مصطفى مجبر

بقلم :مصطفى مجبر

في سابقة من نوعها تثير الاستفهام والاستهجان في آن واحد، قرر مجلس جهة فاس ـ مكناس أن يتحول من “قلب” التنمية المحلية إلى “ممول” للرياضة على بعد آلاف الكيلومترات. ففي وقت تتعثر فيه مشاريع البنية التحتية الأساسية وتعاني الجهة من نقص حاد في الموارد الضرورية لتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، يفاجئنا المجلس بخطوة غير مسبوقة ألا وهي تمويل ملعب لكرة القدم في تونكبي بالكوت ديفوار!, هل هذا هو “الاستثمار الاستراتيجي” الذي يتوق إليه المواطنون في ظل أزمات حقيقية تتطلب اهتماما فوريا؟ أم أن هناك خلطا غير مبرر في الأولويات يعكس استهتارا غير مقبول بأمور تلامس حياة الناس اليومية؟

من المثير للاهتمام كيف يمكن لمجلس جهة فاس ـ مكناس أن يصبح بطلا في مسابقة “الأعجب” من خلال قراره الأخير. يبدو أن الجهة لم تكتف بتمويل المشاريع المحلية، بل قررت أن تحول بعض أموالها إلى تمويل ملعب في تونكبي بالكوت ديفوار، وهي خطوة جعلت العديد من المنظمات الجمعوية تتساءل: هل المجلس يقيم بطولة عالمية في “الفشل الإداري”؟

في الوقت الذي تعاني فيه جهة فاس ـ مكناس من تدهور بنيتها التحتية بشكل يثير الشفقة، يقرر المجلس برئاسة عبد الواحد الأنصاري أن يتخذ من الكرة المستديرة ملعبا لإظهار “كرم” لا يفهمه إلا هو. فعلى الرغم من النداءات المستمرة لتحسين البنية التحتية المحلية، وتوسيع شبكة الصرف الصحي، وتطوير الطرق، نجد أن المجلس يصر على إظهار تعاطفه مع الكوت ديفوار، وكأنهم اختاروا أن يوجهوا طاقاتهم إلى مجال بعيد عن أزمات المنطقة.

ومع إعلان المجلس عن عزمه تمويل 300 مشروع تنموي بتكلفة 29 مليار درهم، يمكننا أن نتساءل: هل الأولويات قد ضاعت في معركة كرة القدم؟ أم أن هناك مسابقة ضمنية حول من يستطيع أن يكون أقل فعالية في حل المشكلات المحلية؟ .. لذلك أصبح وبجدية يتعين على المجلس أن يعيد تقييم استراتيجيته التنموية وأن يتساءل بجدية حول مدى توافق قراراته مع الاحتياجات الحقيقية للمجتمع المحلي.

إن هذه السلسلة من القرارات المشكوك في جدواها، نجد أنفسنا أمام درس مهم: عندما تتجه السياسات العامة إلى تمويل مشاريع خارج نطاق أولويات المجتمع المحلي، فإنها لا تهدر الموارد فقط، بل تهدر أيضًا ثقة المواطنين في الجهات المسؤولة، إن مجلس جهة فاس ـ مكناس، بدلا من استثمار أمواله في مشاريع تعالج المشكلات الحيوية في المنطقة، اختار أن ينشغل بملعب في مكان بعيد ليطرح السؤال نفسه عن ما مدى مصلحة الجهة في ذلك؟!.

إن مثل هذه القرارات تذكرنا بأهمية تحديد الأولويات بشكل دقيق ومراعاة الاحتياجات الحقيقية للمجتمع. فمن دون فهم حقيقي لتحديات المنطقة، لن تحقق الاستثمارات المبتعدة عن الواقع سوى تفاقم الأزمات بدلا من حلها، مما يؤكد ضرورة أن يكون التوجه التنموي مبنيا على رؤية واقعية وقائمة على احتياجات الناس والمنطقة.

في الختام، يظهر واضحًا أن مجلس جهة فاس ـ مكناس قد ارتقى إلى مرتبة “الريادة” في مجال إدارة الموارد العامة بطريقة عبثية وغير مسؤولة. بدلا من معالجة أزمات البنية التحتية المتهالكة التي تعاني منها الجهة، قرر المجلس أن يصبح “سفيرا” للرياضة في الكوت ديفوار، وكأن هناك مسابقة غير معلنة حول من يمكنه تبديد المال العام بأكثر الطرق سخرية، كما ويبدو أن رؤية المجلس تقتصر على بناء الملاعب خارج حدود الوطن بدلا من إصلاح الطرق المتهالكة أو تحسين شبكة الصرف الصحي. إن مثل هذه القرارات ليست فقط دليلا على الفشل الإداري والعبثية، بل اقل ما يقال عنها انها الخلاصة على الاستهتار المطلق بمصالح المواطنين. فقد أظهر المجلس بوضوح أنه غير قادر على تقديم حلول لمشاكل المنطقة، لكنه على الأقل أثبت مهارته في تحويل المال العام إلى مشاريع لا علاقة لها بالواقع الذي يعيشه المواطنون.

الاخبار العاجلة