بقلم: مصطفى مجبر
في قلب منطقة الشريط النهري لأم الربيع، حيث ينساب النهر العريق كشريان حياة لأهل المنطقة، يستيقظ السكان كل يوم على وقع كارثة بيئية تهدد صحة أطفالهم ومستقبلهم. مناظر الأسماك النافقة التي تطفو على سطح المياه ليست مجرد مشهد مؤلم، بل هي نداء استغاثة وصيحة إنذار للمسؤولين للالتفات إلى مأساة إنسانية وبيئية تتفاقم يوماً بعد يوم.
تخيلوا معي أطفالا يضطرون للسباحة في مياه ملوثة، ملوثة بالفضلات والمخلفات، حيث تصب معظم قنوات الصرف الصحي للمنطقة بواد ام الربيع، يسبحون فيه فقط لأنهم لا يملكون بديلا آمنا، هاربين من فرط حرارة الشمس مرتمين في احضان الواد ليخفف عنهم بعضا من الحر غير آبهين لما قد يلتقطونه من امراض بسبب عفن المياه! .. مشهد كارثي لا يمكن له إلا أن يجعلنا نعبرعن أسفنا العميق وقلقنا الشديد إزاء الظروف التي يضطر فيها أطفال منطقة الشريط النهري لأم الربيع إلى السباحة في مياه ملوثة، في ظل غياب مسبح بلدي.. واقل ما يمكن قوله اتجاه ذلك، فإن هذا الوضع لا يعكس فقط تقاعس السلطات المحلية عن أداء واجباتها الأساسية في توفير بيئة آمنة وصحية لأطفال المنطقة، بل يكشف أيضا عن تهاونها المستمر في مواجهة الكوارث البيئية التي تهدد صحة وسلامة السكان، وإذ يضطر الأطفال إلى السباحة في هذه المياه الملوثة، فإن ذلك يعكس غيابا تاما لبدائل آمنة… لذلك فإن توفير مسبح بلدي ليس رفاهية، بل هو حق من حقوق الأطفال الأساسية في اللعب والنمو في بيئة صحية وآمنة. فكيف يمكن لنا أن نغض الطرف عن هذه الحقيقة البسيطة؟ السباحة في نهر ملوث يعرض الأطفال لل محالة لخطر الإصابة بأمراض جلدية وتنفسية وأمراض أخرى أكثر خطورة، وهو ما قد يضع حياة ومستقبل هؤلاء الأطفال على المحك.
غير ذلك، تخيلوا أيضا صيادين فقدوا مصدر رزقهم الوحيد بسبب إهمال السلطات وتهاونها في معالجة المياه العادمة.. بين قسوة الواقع وغياب الحلول، يظل السؤال قائماً: إلى متى سنظل نغض الطرف عن هذه المأساة؟ ومتى ستتحرك الجهات المختصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن يصبح الأوان قد فات؟…، إضافة إلى ذلك، يعاني صيادو المنطقة من تلوث النهر الذي يعتبر مصدر رزقهم الوحيد..، إن نفوق الأسماك لا يهدد فقط البيئة، بل أيضا يعرض هؤلاء الصيادين وأسرهم لفقدان مصدر دخلهم، ما يزيد من حدة الفقر والحرمان في المنطقة. إن معالجة هذه المشكلة البيئية يجب أن تكون أولوية ملحة للسلطات المحلية والهيئات المنتخبة
نهر أم الربيع، الذي كان يوما مصدر حياة وازدهار لأهل المنطقة، أصبح اليوم بؤرة للتلوث ومصدرا للأمراض بفعل استقبال المياه العادمة دون معالجة، ما أدى إلى نفوق كميات كبيرة من الأسماك. هذه الكارثة البيئية التي سبق فيما قبل واستفاقت عليها الساكنة ليست إلا نتيجة مباشرة لانعدام المراقبة وضعف البنية التحتية المخصصة لمعالجة المياه. أين هي محطة تصفية المياه العادمة التي كان من المفترض إنشاؤها؟ لماذا لم يتم تنفيذ هذا المشروع الذي كان من شأنه أن يحد من تلوث النهر ويجنبنا هذه الكوارث؟
وفي الواقع، فإن هذه الكارثة البيئية تستدعي بالحق تدخلا عاجلا وحاسما من قبل السلطات المختصة، فلا يكفي فقط إجراء تحقيقات لمعرفة أسباب التلوث، بل يجب اتخاذ خطوات عملية وفورية لإنشاء محطة تصفية المياه العادمة وتحسين نظام الصرف الصحي. إلى جانب ذلك، يجب أن يكون هناك تحرك جاد وسريع لإنشاء مسبح بلدي يتيح للأطفال مكاناً آمناً لممارسة نشاطاتهم الترفيهية دون المخاطرة بصحتهم.
في نهاية القول، دعونا نتكلم بصراحة، إن الاعتماد على “المسكنات” بعد كل كارثة بيئية لا يمكن أن يستمر للأبد، بل يجب على السلطات أن تتحمل مسؤولياتها وتعمل على إيجاد حلول جذرية ومستدامة لهذه المشكلات البيئية والصحية التي اصبحت تهدد الساكنة وخصوصا الأطفال الذين تعتبر مسألة حمايتهم وضمان حقهم في بيئة نظيفة وآمنة ليست خيارا، بل هي واجب وضرورة قبل كل شيء، وها نحن نصرخ وبقوة، صرخة ملونة بألوان اليأس والأمل، لنجد أنفسنا أمام مسؤولية جماعية لا بد من تحملها. إن حماية بيئتنا وصحتنا وصحة أبنائنا ليست مسؤولية فردية أو مهمة للجهات المختصة فقط، بل هي واجب إنساني نحن جميعا مدعوون للعمل عليه. إن النهوض بمنطقة الشريط النهري لأم الربيع وإعادة إحياء نهرها ليس مجرد ضرورة بيئية، بل هو رهان على مستقبل الأجيال القادمة.