اليوم العالمي للمرأة .. بين الاحتفال و الاحتجاج ؟

اليوم العالمي للمرأة .. بين الاحتفال و الاحتجاج ؟
رئيس التحرير

جمال البويهلي

من الصعب جدا أن يكتب رجل بسيكولوجية ذكورية عن المرأة، لذلك سأكتب لك و ليس عنك، و من السهل جدا أن يكتب رجل بخلفية انسان، فحينها يتخذ النوع شكلا ثانويا، و تبقى الإنسانية هي الجوهر الأساسي.
يطل علينا اليوم العالمي للمرأة بتاريخ  8 مارس من كل سنة، و معها يتذكر العالم فجأة حقوق المرأة و انجازاتها في مختلف تشعبات الحياة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية،  و معها يحتفل العالم بانجازات الانثى، و كأن نجاحها انجاز باهر، و فعلا هو كذلك.

لكن الا يدين هذا الاحتفال المجتمع اكثر مما يعززه؟ أليس هذا الاحتفال هو اعتراف صريح بما عاشته المرأة عبر العصور من الاضطهاد المزدوج و القمع و التبخيس و الاختزال، في حالة اذا ما استثينا مرحلة من التاريخ حيث كانت الام و المرأة هي سيدة مجتمعها، و كان الأبناء ينسبون اليها.
ثم انقلب السحر على الساحر،  بفضل تطور التاريخ، و بفضل تطور أدوات الإنتاج و مع تدجين الحيوانات، اصبح للرجل قوة مطلقة و معها ضم النساء و العبيد الى ممتلكاته، و نزع نسب الأبناء من المرأة ليصيروا يحملون نسبه و اسمه و شرفه، لأنهم في آخر المطاف ورثته و ورثة مملكته و ممتلكاته.
من الصعب الغوص في أحداث التاريخ البعيد لحظة بلحظة و حدث بحدث، غير المغزى مما ذكر هو استنباط أن الظروف الاجتماعية و الاقتصادية هي من تحدد وضعية المرأة في المجتمع، و غير دليل هو عند الثورة الصناعية، تخل المجتمع عن اعرافه المحافظة و اخرج المرأة كرها من مملكة الزوج الى معمل رب العمل،  و لم يسلم الأطفال كذلك، فما كان يهم هو توفير اكبر عدد ممكن من اليد العاملة، و بالتالي فعمل المرأة الذي كان عيبا قبل الثورة الصناعية أصبح حلالا بل و فرضا بعدها.

بعد توالي مسلسل الاضهاد، كأن لابد للمرأة أن تتمرد الى جانب رفيقها الرجل، و كانت أول شرارة أشعلت في أمريكا بمدينة نيويورك، حيث خرجت آلاف النساء للاحتجاج و النضال ضد الظروف الاانسانية التي كن يعانين اثرها، فشهد عام 1856 اول مظاهرة منظمة للنساء المناضلات عرفت قمع شرس من طرف الشرطة.
مسيرة النضال عند النساء لم تتوقف لان الاضهاد لم ينتهي، فرغم تعهد السياسيين و المسؤولين بأمريكا بضرورة طرح اشكاليات و معاناة المرأة ضمن جدول اعمالهم كقضية ملحة، الا انها ظلت شعارات سياسية بعيدة عن الواقع.
و في 8 مارس 1908، عادت آلاف عاملات النسيج للاحتجاج بشوارع نيويورك حاملين الخبز اليابس و باقات الورود في إطار رمزي لحركتهن، و من أبرز مطالبهن تخفيض ساعات العمل و وقف تشغيل الأطفال، و كذلك منح حق الاقتراع الذي كان حكرا على الرجل.
و بعدها بسنة واحدة، و في نفس التاريخ، اي 8 مارس تم تخليد احتجاجات النساء  بنيويورك، ثم اندفعت الحركة من امريكا إلى اوروبا و إلى كل بقاع العالم.
لتتوج مسيرة نضال المرأة باقرار الأمم المتحدة سنة 1977 بيوم العالمي للمرأة يوم 8 مارس، و معها تحول هذا العيد للاحتفال عوض تكريس مسيرة النضال الشاق إلى جانب الرجل لاجل غد مشرق تسود فيه الحرية و الكرامة و حقوق الإنسان اكان رجل ام امرأة، و معها اتخذت بعض الحركات النسوية مسارا مغايرا عن مصدرها، فحولت النضال و الاحتجاج ضد الرجل بينما كان في البداية ضد الظروف الاجتماعية و الاقتصادية المزرية التي كانت تعيشها المرأة الى جانب الرجل.

الاخبار العاجلة